في كل مرة يواجه حزب الله نقدًا أو مساءلة، لا يتردد لحظة في إطلاق تهم “العمالة” و”الخيانة” و”الصهينة” على معارضيه. كل من يرفع الصوت خارج سربه، أو يتجرأ على التشكيك بسلوكه السياسي أو العسكري، يوضع تلقائيًا في خانة العملاء، وكأن الوطنية حكر على من يهتف باسمه، ويبايع قادته، ويرفع راياته.

لكن الحقيقة، مهما حاول الحزب طمسها، مغايرة تمامًا. فالعملاء، لم يأتوا من الخارج، ولا تربطهم بالمعارضة أي صلة. بل هم من بيئة الحزب، من داخل تركيبة مجتمعه ومفاصله، من أولئك الذين يلبسون قمصانه، ويعصّبون رؤوسهم بشعاراته، ويهتفون في المسيرات “لبيك يا نصر الله”، و”نفديك بالدم يا فلان وفلان”.

إن من أفشى الأسرار، وسرّب المعلومات، ودمّر الحزب من الداخل، كانوا من خاصته، لا من خصومه. من محيطه العائلي والجغرافي والسياسي. وما قضية محمد صالح إلا نموذج واحد من بين آخرين كانوا محسوبين على “الصفوف الأمامية” للمقاومة، فإذا بهم أدوات تنقل ما يُفترض أنه “سرّي جدًا” إلى العدو، وتنسف كل المزاعم عن الحصانة الأخلاقية والتنظيمية.

والأدهى، أن هؤلاء لم يتعرّضوا للتخوين علنًا كما يحدث مع المعارضين السياسيين. لم نسمع خطابًا رسميًا واحدًا يوجه إليهم عبارات “الخيانة” أو “العمالة للصهاينة”، كما يُرمى بها أولئك الذين يختلفون مع الحزب في الرؤية، أو يطالبون بسلاح تحت سلطة الدولة، أو يشكون من هيمنته على القرار السياسي والاقتصادي والثقافي.

إن الأزمة التي يعيشها حزب الله اليوم ليست بسبب خصومه، بل بسبب خلل بنيوي داخلي، أنتج شبكة من “العملاء” الذين أوصلونا إلى ما نحن عليه، من عزلة إقليمية ودولية، وتفكك اقتصادي، وشبه انهيار للدولة. أما المعارضون، فهم لبنانيون أصحاب رأي وموقف، يرون في الحزب مشروعًا يبتلع الدولة، ويهدد كيانها، لكنهم لم يتعاملوا مع عدو، ولم يشاركوا في تدمير ما تبقى من مؤسسات.

العميل الحقيقي، هو ذاك الذي يدخل بيتك بحجة الولاء، ويغدر بك من الداخل. أما الذي يخاصمك علنًا، ويقول لك بوضوح “أختلف معك”، فذاك ليس عميلاً، بل خصم شريف، له الحق في أن يكون جزءًا من الحياة السياسية الحرة.

على طريق القدس… اكتشفنا أن العملاء، كانوا في الصفوف الأولى.