لم تكن مغادرة مورغان أورتاغوس منصبها كمساعدة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مجرّد تفصيل إداري في روزنامة العلاقات الأميركية–اللبنانية. فالمسألة تتجاوز الحراك الداخلي في الإدارة الأميركية، لتلامس حدود التحوّل في المقاربة تجاه لبنان، وربما تؤشر إلى مراجعة أوسع لأجندة واشنطن الإقليمية.

في العاصمة الأميركية، لم تعد بيروت على رأس الأولويات. البوصلة بدأت تنحرف نحو دمشق، حيث تُرسم بهدوء خرائط إعادة الإعمار، وتُستأنف خطوط التواصل ببطء وثبات. أما في بيروت، فقرار إعفاء أورتاغوس يُقرأ كحلقة إضافية في سلسلة التراجع الأميركي عن الإمساك بالملف اللبناني، أو في أقل تقدير، كمؤشر على تراجع لبنان في سُلّم الاهتمامات الأميركية.

الهاجس الحقيقي لا يكمن في شخصية أورتاغوس، بل في غياب البديل. هذا الشغور الدبلوماسي في لحظة لبنانية دقيقة لا يُفهم إلا في سياقين محتملين: إما أن واشنطن تمارس سياسة الترقب بانتظار اتضاح ملامح المرحلة، أو أنها تمهّد لإعادة تموضع استراتيجية، تُحيل لبنان إلى بند ثانوي في سجل أولوياتها، بين دمشق وطهران.

الاستمرار في هذا الفراغ حتى موعد الانتخابات النيابية يُعدّ مغامرة غير محسوبة. ليس فقط على مستوى استقرار لبنان، بل أيضاً بالنسبة لحضور واشنطن ونفوذها. ففي بلد اعتاد أن تملأ الفراغات فيه قوى ميليشياوية، فقد تكون الفرصة اليوم لحزب الله بإعادة إحياء جزءًا من نفوذه في الوقت الضائع الأميركي.

رحيل أورتاغوس قد لا يكون سوى العتبة الأولى في منعطف جديد. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل هو تمهيد لانخراط أميركي مختلف وأكثر فاعلية (إعادة تموضع)؟ أم بداية انسحاب هادئ من المشهد اللبناني؟