في لبنان، لا يموت الناس فقط من المرض… بل من الفساد. والفضيحة التي تتكشّف فصولها اليوم ليست مجرّد تهريب أدوية مغشوشة، بل جريمة متكاملة الأركان، تطال صحة الناس، وتمرّ عبر مطار الدولة، وبتوقيع من داخل مؤسساتها.

الضابط في الأمن العام محمد خليل، شقيق النائب علي حسن خليل، وُضع خلف القضبان بعد كشف تورّطه في شبكة أدوية مزوّرة، كثيرٌ منها يُستخدم لعلاج السرطان. القاضية دورا الخازن، بالنيابة عن المدعي العام المالي، لم تتردّد في إعطاء إشارة توقيفه، في خطوة نادرة وغير مألوفة في بلدٍ غالباً ما تُلفلف فيه الملفات إذا ما لامست الأسماء الثقيلة، لكن اليوم بات المشهد مختلف في العهد الجديد.

لكن الملف لا يقف عند خليل. زوجته، ماريا فواز، متّهمة بالاحتيال على رجال أعمال في صفقات دواء مشبوهة، وبتنظيم عمليات تهريب مستمرّة عبر مطار بيروت. فواز اختفت، وخرجت من لبنان، في حين بات زوجها في قبضة التحقيق، وأُقفلت صيدلية في الضاحية الجنوبية بالشمع الأحمر بعد أن تبين أنها كانت جزءاً من شبكة التوزيع، بالإضافة الى توقيف نقيب في قوى الأمن الداخلي، وملاحقة تجار أدوية، حتى كشف كافة عناصر العصابة.

اللافت ليس فقط حجم الجريمة، بل الغطاء الذي كانت تتم تحت ظله. محمد خليل ليس مجرد ضابط، بل شقيق النائب علي حسن خليل، الذراع السياسي الأبرز لرئيس مجلس النواب نبيه بري. هذا وحده يضع القضاء في مواجهة مفتوحة مع النظام السياسي الذي طالما وفّر الحصانات لأذرعه.

قضية تهريب الأدوية المزوّرة ليست حادثة معزولة. إنها مشهد مكثّف عن كيف كان يُدار البلد: دولة منهارة، مؤسسات مخترقة، وسياسيون فوق القانون. فلبنان اليوم أمام فرصة نادرة: إما اقتلاع الفساد من جذوره، أو الإذعان مجددًا لطبقة تعتقد أن كل شيء قابل للتزوير حتى الدواء والعدالة.