في ظل الأحاديث المتداولة عن إمكان التوصل إلى اتفاق لسحب قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، تبدو البلاد مقبلة على تحوّل خطير قد يُحدث تداعيات سياسية، عسكرية، لوجستية واقتصادية جسيمة.
فبعيدًا عن الشعارات والمواقف الشعبوية، لا بد من التوقّف مليًا أمام ما يعنيه هذا الانسحاب فعليًا، على الأرض وفي الميدان.

أول الخسائر المباشرة ستكون لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار، التي قد تُحل عمليًا مع مغادرة اليونيفيل، مما يفتح الباب أمام تصعيد غير مضبوط من قبل العدو الإسرائيلي، وغياب آلية التوثيق والمراقبة اليومية للخروقات مما يعني أن الانتهاكات ستمر دون رصد أو توثيق دولي، الأمر الذي سيُسقط القرار 1701.

أما الخط الأزرق، ذلك الحد الفاصل المتفق عليه بين لبنان وإسرائيل، فقد يتحوّل إلى ملف مفتوح على إعادة التفاوض وربما التلاعب، ما يُتيح لإسرائيل المطالبة مجددًا ببعض النقاط المتنازع عليها، في ظل غياب المظلة الأممية.

من الجانب اللوجستي والاقتصادي، فإن ميزانية اليونيفيل التي تتخطى نصف مليار دولار سنويًا، يُصرف منها ما لا يقل عن 30 إلى 40 في المئة في الجنوب اللبناني. هذه النسبة تُشكّل رافدًا حيويًا للاقتصاد المحلي، وتؤمن مئات الوظائف وفرص الدعم اللوجستي. بانسحاب القوة، ستُفقد هذه الفرص دفعة واحدة.

أما على المستوى الأمني، فالتحدي الأكبر سيقع على عاتق الجيش اللبناني، الذي سيكون مضطرًا إلى ملء هذا الفراغ الهائل، في وقت لا يزال يواجه تحديات في الجهوزية والدعم اللوجستي، في ظل الوضع المتردي التي تمر به المؤسسة العسكرية من الناحية المالية.

وإذا كان البعض يرى في مغادرة اليونيفيل “انتصارًا سياديًا”، فإن أكثر المستفيدين عمليًا من هذا القرار سيكون العدو الإسرائيلي، الذي كان تحت المراقبة الدولية عند أي تحرك عسكري، فسيصبح بحرية مطلقة دون أي رادع.

أمام هذا المشهد، تصبح الأصوات التي تدعو إلى الانسحاب من دون بديل فعلي، أقرب إلى مغامرة غير محسوبة. ويبقى التحذير قائمًا: لا تنساقوا خلف الحسابات الشعبوية، فثمن هذا “الانتصار” سيكون باهظًا على كل المستويات.