يترقّب لبنان صيفًا سياحيًا واعدًا، مع عودة الزخم العربي إلى بيروت بعد سنوات من الغياب، ورفع معظم دول الخليج قيود السفر، إلى جانب تزايد اهتمام المغتربين بزيارة وطنهم. غير أن هذا الأمل يصطدم بعقبة لا تقل خطورة عن التوترات السياسية أو الأزمات الاقتصادية: أسعار تذاكر الطيران المرتفعة على متن شركة طيران الشرق الأوسط، الناقل الوطني الوحيد عمليًا في البلاد.

ففي وقت يُفترض أن يشكل فيه الصيف فرصة لتعويض الخسائر السياحية، تبلغ أسعار التذاكر بين بيروت وبعض العواصم الخليجية ما يقارب 2500 دولار ذهابًا وإيابًا، من دون أي عروض تفضيلية للمغتربين أو حسومات موسمية. وهو ما يعكس احتكار الشركة للسوق، وغياب رؤية وطنية تشجّع على العودة الموسمية لآلاف اللبنانيين المنتشرين حول العالم، الذين يشكّلون ركيزة أساسية للاقتصاد في فصل الصيف.

الطلب المرتفع لا يُقابل بخطط لتوسيع العرض أو تخفيض الأسعار، بل بمزيد من رفع التكاليف، في ظل غياب المنافسة الفعلية في الأجواء اللبنانية. والنتيجة؟ عزوف متزايد عن زيارة لبنان، وضياع فرصة ثمينة لإنعاش الاقتصاد المحلي عبر السياحة والاغتراب.

في المقابل، تقدّم دول مجاورة كالأردن وتركيا تسهيلات جوية، وخطوطًا بأسعار مدروسة، تجعل من بيروت خيارًا أقل تفضيلًا لدى كثير من السياح والمغتربين.

لكن المسألة تتجاوز شركة الطيران وحدها. فالمطلوب اليوم أن تضع الدولة اللبنانية استراتيجية متكاملة لاستقطاب اللبنانيين المنتشرين، خصوصًا في الأميركيتين، حيث تشكل تكلفة السفر وحصر الرحلات عائقًا كبيرًا أمام زيارة الوطن. وعلى طيران الشرق الأوسط أن تكون جزءًا فاعلًا من هذه الخطة، عبر تخصيص عروض خاصة وتسهيلات تشجيعية للمغتربين.

أما على المستوى البنيوي، فلا بد من أن تعيد الدولة النظر في البنية التحتية الجوية، عبر توسيع مطار بيروت الدولي، أو حتى استحداث مطار ثانٍ في منطقة أخرى، ما يتيح دخول شركات جديدة، ويكسر الاحتكار، ويفتح المجال أمام المنافسة التي تصبّ في مصلحة المسافرين والاقتصاد الوطني.

إذا أرادت طيران الشرق الأوسط أن تواكب اللحظة لا أن تُجهضها، فعليها أن تعيد النظر في سياساتها التسعيرية فورًا. والأهم، أن تتحرك الدولة لضبط هذا الملف، قبل أن يُحرم لبنان من صيفه المنتظر، وفرصة نادرة للوقوف على قدميه مجددًا.