في خضمّ التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، وتحديدًا بعد الضربة الجوية الإسرائيلية الدقيقة التي طالت منشآت عسكرية وحسّاسة داخل العمق الإيراني في 13 حزيران 2025، بدا جليًا أن المواجهة تجاوزت نطاق الردع الكلاسيكي، لتدخل حيّزًا أكثر تعقيدًا، حيث تتداخل فيه العقيدة الدينية بالقرار الاستراتيجي، والموروث اللاهوتي بالمنطق الأمني الحديث.

فحين تُطلق تل أبيب على عمليتها العسكرية اسم “الأسد الصاعد”، فهي لا تكتفي بمفرداتٍ ذات طابع تعبوي، بل تُحيل إلى دلالة توراتية عميقة مرتبطة بسِبط يهوذا وبالماشيح (المسيح اليهودي) المنتظر. إنها محاولة واعية لربط العمل العسكري بمشروع ديني/تاريخي يُعيد إنتاج فكرة “الخلاص اليهودي”، ضمن منطق يعلو فيه التأويل الديني فوق الحساب العسكري.

ولأن إسرائيل لا تتحرك بمعزل عن حليفها الأميركي، فإن الدعم الذي تلقاه هذه الاستراتيجية في واشنطن ليس مجرد دعمٍ استراتيجي صرف، بل هو مؤسس على بنية لاهوتية يتبنّاها التيار البروتستانتي الإنجيلي، الذي يربط بين حماية إسرائيل وبين تحقق النبوءات الخاصة بـ”نهاية الزمان” ومعركة “هرمجدون” في فلسطين. بذلك، تصبح الحروب في المنطقة ممهّدة لعقائد مروّعة، أكثر مما هي صراعات مصلحية.

في المقابل، بدت إيران حذرة في ردّها، وربما مضبوطة بإيقاع الضرورة لا الرغبة. فطهران، المحاصَرة اقتصاديًا والمخترقة أمنيًا، لا تزال تُحجم عن الرد النوعي المباشر، رغم التصعيد المتكرر. وهذا التردد، سواء فُسّر كتكتيك أو كارتباك، يكشف أن مشروع “الردع الإيراني” لم يعد فعّالًا كما في مراحل سابقة، وأن طهران ربما تواجه مأزقًا بين خطابها الثوري وقدرتها الفعلية على ترجمة هذا الخطاب إلى موازين ردع حقيقية، خاصة بعد تدمير أذرعها في المنطقة.

تُخاض حروب تُغلفها المصطلحات اللاهوتية وتُباركها التحالفات العقائدية، فيما يبقى الشرق الأوسط حقل اختبار دائم لهذا النوع من النزاعات، التي لا تحكمها قوانين الأمم، بل نصوص كتبت قبل آلاف السنين وتُستخدم اليوم كسلاح دعائي واستراتيجي.

إذا لم يُعاد ضبط هذا الجنون العقائدي داخل أطر السياسة الواقعية، فإن المنطقة مقبلة على فصول أكثر تصعيدًا، حيث تُصبح الحرب مبررة… لا لتحقيق مصلحة، بل لتحقيق “نبوءة”.