مع اشتداد المواجهة بين إسرائيل وإيران، دخل لبنان مجددًا في دائرة الخطر، ليس من بوابة الجبهة العسكرية المباشرة فقط، بل أيضًا عبر تعقيدات داخلية فجّرها هذا الصراع. جلسة مجلس الوزراء الأخيرة كانت مرآة واضحة لهذا القلق، إذ أُرجئ الشروع في ملف السلاح الفلسطيني، بينما ظلّ سلاح “حزب الله” حائرًا بين الإدانة الصامتة والانقسام السياسي.

رئيس الجمهورية جوزاف عون دعا إلى تحييد لبنان عن الصراعات التي “لا علاقة له بها”، في حين أكد رئيس الحكومة نواف سلام رفضه القاطع لانزلاق البلاد إلى أتون الحرب. وفي موقف لافت، نفى سلام وجود أي جدول زمني لبدء نزع السلاح الفلسطيني، مشددًا على التواصل المستمر مع المعنيين لتنفيذ هذه الخطوة بعيدًا عن التصعيد.

لكن خلف هذه التصريحات، تتصارع رؤيتان داخلية وخارجية: الأولى تُفضّل تجميد كل الملفات السيادية بحجّة أن المنطقة مقبلة على حرب طويلة الأمد، ما يجعل أي خطوة داخلية محفوفة بالمخاطر. أما الثانية، فترى في هذه اللحظة فرصة ذهبية لاستعادة القرار الوطني وتثبيت السيادة، طالما أن السلاح غير الشرعي لا يزال ورقة بيد طهران يمكن استخدامها عند الحاجة.

الخطير، أن التباطؤ أو الانتظار قد يعطي انطباعًا بأن لبنان خاضع لإرادة “محور الممانعة”، وهو ما يُضعف فرص الخروج من الأزمة. بل أكثر من ذلك، قد تفوَّت فرصة تاريخية لاستعادة الدولة لدورها الطبيعي كمرجعية وحيدة للسلاح والقرار.

اليوم، يقف لبنان أمام مفترق حاسم: إما أن ينأى بنفسه فعلاً، أو أن يدفع مجددًا ثمن أجندات الآخرين على أرضه. لذلك، يجب ألّا تُدخَل الصراعات الإقليمية في الحسابات الداخلية، خصوصًا تلك المتعلقة بإعادة بناء الدولة اللبنانية وإخراجها من سياسات المحاور.