منذ عام فقط، كانت إيران تستعرض نفوذها في الدول العربية، لكن الواقع الإقليمي انقلب عليها. مشروع “الممانعة” الذي روّجت له طهران يتفكك، وأذرعها العسكرية والسياسية تتهاوى واحدة تلو الأخرى، حتى وصلت الضربات الإسرائيلية والأميركية الى العمق الإيراني وأنهت البرنامج النووي الذي سعت اليه طهران منذ عقود.

في غزة، حماس أصيبت بالشلل، بنيتها التحتية دُمرت، وقياداتها إما اغتيلت أو فُرضت عليها الإقامة الجبرية تحت الارض. الضربات الإسرائيلية الدقيقة أنهكت “كتائب القسام”، والدعم الإيراني أصبح مستحيلًا، بينما تلاشى أيضًا الغطاء الإقليمي من قطر وتركيا.

في سوريا، سقط نظام الأسد، والميلشيات الإيرانية انسحبت تحت وقع الضربات الجوية الإسرائيلية، واستُهدفت مراكز الحرس الثوري. الانسحاب الإيراني من سوريا لم يعد تكتيكًا بل واقعًا، فيما تعيد روسيا تموضعها بعيدًا عن الشراكة مع طهران.

في اليمن، تلقّى الحوثيون ضربة غير مسبوقة، مع تنفيذ إسرائيل غارات مباشرة على مواقعهم، وسط صمت إيراني لافت. الجماعة باتت مكشوفة جويًا ومشلولة بحريًا، مع تدمير خطوط إمدادها واستهداف قياداتها.

أما في لبنان، فجاء الانهيار الأكبر. حزب الله، الذي طالما تباهى بقوته، فقد هيبته ومرونته العسكرية. إسرائيل دمّرت مخازن الصواريخ، واغتالت قياداته الميدانية، وصولًا إلى عمق الداخل اللبناني، في مؤشر على اختراق أمني غير مسبوق. الأهم، أن الحزب بدأ يخسر بيئته الشعبية، وسط تململ شيعي من زجّ المجتمع في حروب إيران. التراجع الداخلي يُعدّ الأخطر، لأنه يضرب القاعدة التي بُني عليها نفوذ الحزب.

في المحصّلة، يتلقى المشروع الإيراني ضربات مركّزة من غزة إلى بيروت، ومن صنعاء إلى دمشق وطهران. الجبهات تنهار، والنفوذ يتلاشى، وطهران لم تعد تمسك بزمام المبادرة. “محور المقاومة” بات شعارًا فارغًا، وحزب الله تحوّل إلى ورقة قابلة للمقايضة بعد فقدان السلاح.

ختامًا، لم يكن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل نهاية معركة، بل نهاية مشروع. والمرحلة المقبلة قد تحمل تحوّلات لبنانية وإقليمية جذرية.