لبنان، البلد الصغير بمساحته، الكبير بتعقيداته، يعيش اليوم مرحلة حرجة يتداخل فيها الصراع الداخلي مع تأثيرات الخارج، ما يجعل من تحقيق الاستقرار الوطني تحديًا كبيرًا. في هذا السياق، يبرز مبدأ الحياد كخيار استراتيجي وطني ضروري لترسيخ سيادة لبنان، وحماية وحدته، وضمان استقراره السياسي والاقتصادي.

الحياد لا يعني الانعزال أو التخلي عن القضايا الوطنية العادلة، بل هو موقف دبلوماسي يحمي لبنان من الوقوع في صراعات المحاور الإقليمية والدولية التي لطالما أغرقت المنطقة في نزاعات مستمرة. لبنان عبر تاريخه اختار أن يكون وطنًا لجميع أبنائه، ينأى بنفسه عن الانحيازات، ويعمل على بناء دولة تحترم جميع مكوناتها.

تكريس الحياد في الدستور اللبناني يعكس إرادة شعبية ورؤية سياسية تركز على حماية البلاد من التأثيرات الخارجية التي تهدد استقرارها. فالتجارب الإقليمية والدولية أثبتت أن الدول المحايدة التي تلتزم بقرارات الشرعية الدولية وتمارس حرياتها ضمن إطار احترام القانون الدولي، تحقق عادة ازدهارًا واستقرارًا ملموسين. وهذا ما يطمح إليه لبنان، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهه.

علاوة على ذلك، يعزز الحياد من فرص لبنان الاقتصادية، حيث يشجع المستثمرين على الانخراط في سوقه بطمأنينة أكبر، بعيدًا عن مخاطر الصراعات السياسية التي قد تؤثر على الاستقرار. كما يساهم في تقليل التوترات الطائفية والمذهبية التي ترتبط عادة بالانقسامات السياسية الداخلية المتأثرة بصراعات الخارج.

من الناحية القانونية والسياسية، إدراج مبدأ الحياد في مقدمة الدستور يشكل ضمانة دستورية تحفظ لبنان من التراجع عن هذا الخيار مهما تبدلت الظروف أو الحكومات، ويؤسس قاعدة واضحة للسياسة الخارجية اللبنانية التي تعتمد على المصلحة الوطنية العليا فقط.

في النهاية، الحياد هو خيار وطني عاقل وواقعي يكرّس لبنان كدولة مستقلة ذات قرار سيادي، ويمكّنها من استعادة دورها كجسر تواصل وحوار في المنطقة، بعيدًا عن الفوضى والصراعات التي أثقلت كاهل شعوب الشرق الأوسط.