في بلدٍ يتقن خلط الطوائف بالأحزاب، ويحوّل الخلافات السياسية إلى معارك وجودية، يصبح من الضروري أن نقف لحظة صمت وتأمل، لنسأل أنفسنا سؤالاً بسيطاً وعميقاً: هل تعني خسارة حزب الله، بالضرورة، خسارة الطائفة الشيعية؟
الجواب، وبكل وضوح، هو لا.
لطالما خلط النظام اللبناني بين الطائفة والممثل السياسي لها، حتى بات كثيرون يظنون أن سقوط حزب ما يعني سقوط طائفة بأكملها. لكنّ التاريخ اللبناني القريب، لا البعيد، يُثبت لنا أن الطوائف تبقى، تتطوّر، تتبدّل وجوهها وقياداتها، لكنها لا تزول.
في الحرب الأهلية، خسرت الطائفة المسيحية سياسيًا وعسكريًا. دخلت في صراعات داخلية وخارجية، وخرجت منها مثقلة بالجراح والانقسامات. لكنّها اليوم، وبعد كل ما مرّت به، ما زالت مكوّنًا سياسيًا حاضرًا بقوة، لها نوابها، زعماؤها، مؤسساتها، وأحلامها بوطن أفضل.
الطائفة السنّية أيضًا خسرت الكثير، لا سيما باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم بانسحاب نجله سعد الحريري من الحياة السياسية. لكن هذه الطائفة لم تختفِ، بل بقيت، وعادت لتبحث عن تمثيل وطني حقيقي، وها هي اليوم تجد صوتًا جديدًا في شخصيات مثل نواف سلام، الذي يمثّل نموذجًا مختلفًا عن زعامة المال والمزرعة، ويعيد وصل الطائفة بحلم الدولة.
إذًا، لماذا نخاف من أن خسارة حزب الله ستعني خسارة الطائفة الشيعية؟
على العكس تمامًا. خسارة حزب الله ليست خسارة للطائفة الشيعية، بل قد تكون فرصةً تاريخية لها، كي تعود إلى موقعها الطبيعي في قلب الدولة، لا على هامشها، وداخل الوطن، لا فوقه. الطائفة الشيعية كانت، ولا تزال، غنية بالكفاءات، بالمثقفين، بالقضاة، بالأطباء، بالمقاومين الحقيقيين الذين لا يساومون على كرامة بلدهم، ولا يختبئون خلف شعارات فارغة.
اليوم، الطائفة الشيعية لا تحتاج إلى سلاح حزب الله، بل إلى سلاح الكلمة، إلى قوة الحق، إلى شراكة وطنية تعيد لها دورها الطبيعي، كما لكل الطوائف. وهي لا تحتاج إلى تمثيلها بحزبٍ يحتكر القرار ويورّطها في مغامرات إقليمية، بل إلى قيادات سياسية تشبه وجعها، وهمّها، ورغبتها بالحياة.
حين يخسر حزب الله سلطته، ستربح الطائفة الشيعية حريتها.
وحين يخسر سلاحه، ستربح الدولة قوتها.
وحين يخسر نفوذه، سيظهر من الطائفة الشيعية من يعيد تمثيلها كما يجب: بصوت وطني، مدني، لبناني، غير مرتهن لأي محور أو وصاية.
إن خسارة حزب الله لا تعني تهميش الشيعة، بل العكس، تعني انعتاقهم من قبضة الخوف، وإعادتهم إلى الخريطة السياسية الطبيعية، لا من موقع الاستثناء، بل من موقع الشراكة.
الطوائف في لبنان لم تُبنَ على الأحزاب. الأحزاب تمرّ، والطوائف تبقى، وتتجدّد، وتنتج قيادات جديدة.
فلنقلها بصراحة:
الطائفة الشيعية أكبر من حزب الله.
وأجمل، وأعمق، وأذكى، وأكثر قدرة على بناء وطن.