منذ لحظة إقرارها، وُلدت المقاعد الستة المخصصة للاغتراب مشوّهة، أشبه بصفقة سياسية أكثر منها إنجازاً ديمقراطياً. بدل أن تكون جسراً يربط اللبنانيين المنتشرين عبر العالم بوطنهم الأم، تحوّلت إلى فخّ انتخابي، هدفه تقزيم حضورهم وحصر تأثيرهم في أرقام رمزية لا وزن حقيقياً لها.
المغترب اللبناني ليس ضيفاً على النظام، بل هو جزء أصيل من النسيج الوطني. اقتلاعه من دائرته الأم وحصره في دائرة “معلّبة” من ستة مقاعد فقط، يعني عملياً اختزال مئات آلاف الأصوات في فتات سياسي. هذه ليست مساواة، بل إهانة صريحة لحق المشاركة.
كيف يمكن لمليون ناخب في الخارج أن يُختصر تمثيلهم بستة مقاعد، بينما دوائر صغيرة في الداخل تُنتج عدداً مماثلاً أو أكثر؟ هذه المفارقة تفضح نوايا الطبقة السياسية: إبقاء الاغتراب بعيداً عن موازين القوى الحقيقية، خوفاً من أن يفرض واقعاً جديداً على برلمانٍ اعتاد الولاء للمحاصصة لا للمواطن. وبدلاً من إصلاح الخلل، لجأت السلطة إلى الحل الأسهل: تجزئة الاغتراب في دائرة منفصلة تضمن تقليص أثره.
والأخطر أن هذه المقاعد موزعة مسبقاً على الطوائف. وكأن اللبناني الذي يعيش في سيدني أو باريس أو أبيدجان، لا يزال محكوماً بانتمائه الطائفي قبل انتمائه الوطني. إنها وصمة جديدة في جبين نظام لم يعرف يوماً معنى المواطنة.
اليوم، لم يعد النقاش أكاديمياً ولا تقنياً. المسألة باتت سياسية صِرف، ومسؤوليتها تقع مباشرة على رئيس مجلس النواب نبيه بري. فبيده وحده أن يفتح أبواب المجلس أمام تعديل قانون الانتخابات، وبيده وحده أن يلغي هذه الخديعة المسماة “مقاعد الاغتراب”.
كل يوم يتأخر فيه بري عن الدعوة إلى جلسة مخصّصة لهذا التعديل، هو إعلان صريح أنه يقف بوجه العدالة الانتخابية ويعطّل حق اللبنانيين المنتشرين. لن تنفعه خطابات المناورة ولا شعارات الحرص على الدستور. المعيار واحد: هل يفتح المجلس للتصويت على إلغاء المقاعد الستة.