في لحظة حرجة يقترب فيها لبنان من موعد الانتخابات، يقف الحق الطبيعي للمغتربين على شفا الهدر. مئات آلاف اللبنانيين المنتشرين حول العالم، الذين يمثلون الكفاءات والأمل في النهوض بالوطن، يجدون أنفسهم مجرّد أرقام في صراع السلطة الداخلي، في ظل تلاعب صريح بمستقبلهم الديمقراطي.

الأمر لم يعد مجرد تقصير إداري أو ضعف تنفيذ، بل تجاوز مباشر لمسؤوليات السلطة التشريعية. فرفض مناقشة قانون انتخابات المغتربين في الجلسة الأخيرة لم يكن حادثاً عابراً. ومن يقف وراء هذا التجميد الواضح ليس سوى رئيس المجلس النيابي نفسه، نبيه بري، الذي أمعن في تعطيل النقاش حول حق اللبنانيين بالخارج في الاقتراع، ويبدو أنّه يسعى إلى تطيير هذا الحق، بل وربما إلى تأجيل الانتخابات النيابية برمتها.

ما يحدث هنا يهدد جوهر الديمقراطية: حرمان جزء من الشعب من المشاركة في تقرير مصيره، تحت ذرائع واهية، يمثل إساءة لا يمكن تبريرها. فالصوت المغترب ليس تفصيلاً تقنياً، بل رافعة حقيقية لإصلاح الحياة السياسية وإشراك المواطنين أينما كانوا.

إنّ من يرفض مناقشة القانون ويستخدم سلطته لتعطيل الحق الطبيعي للمغتربين يتحمّل مسؤولية مباشرة عن كل ما قد يترتب من تقويض الانتخابات، وتأجيلها، وتشويه العملية الديمقراطية. التاريخ لن يغفر لمن يختار المراوغة على حساب مئات الآلاف من المواطنين، ومن يسعى إلى تحويل الاستحقاق الوطني إلى مجرد لعبة مصالح ضيقة على حساب الحق العام.

الرسالة واضحة: لا انتخابات كاملة ولا استحقاق دستوري سليم ما لم يُحترم صوت اللبنانيين في الخارج، ولا مسوغ قانوني أو سياسي لأي محاولة لإقصائهم أو تأجيل الانتخابات. الديمقراطية الحقيقية تُقاس بمدى شمولها، وليس بتقليصها لحساب مصالح خاصة.