تعود رائحة النفايات مجددًا لتخنق العاصمة، رائحة الأزمة التي يعرفها اللبنانيون جيدًا منذ سنوات قليلة حين غَرِقت بيروت في أكوام من النفايات وتحولت شوارعها إلى مجارٍ مفتوحة للسموم. اليوم، المشهد يطل برأسه من جديد.

فقد أعلنت شركة رامكو، الملتزمة جمع النفايات في مناطق بيروت الإدارية والمتن وكسروان، عن توقفٍ مؤقتٍ لعمليات رفع النفايات، بعد إقفال مطمر الجديدة الذي تتجمع فيه نفايات هذه المناطق. الشركة أكدت أنها لن تستأنف العمل قبل إعادة فتح المطمر وتأمين مسار تفريغ الشاحنات، مشيرة إلى أنها أبلغت الجهات الرسمية المعنية بما سيترتب على هذا التوقّف من تراكمٍ للنفايات خارج عن إرادتها.

وتجمع “رامكو” يوميًا ما يقارب 500 طن من النفايات من بيروت، ومثلها من كسروان، ونحو نصف هذه الكمية من المتن، ما يعني أن التوقف الحالي يهدد العاصمة ومحيطها بأزمة بيئية وصحية جديدة. ومن دون صدور قرار رسمي عن مجلس الوزراء يتيح استخدام المساحة الجديدة التي جرى تجهيزها في المطمر، لا يمكن نقل النفايات أو معالجتها، ما يتركها مكدّسة في الشوارع، تحت الشمس والمطر.

لكن المأساة لا تتوقف هنا. فالمطمر نفسه، الذي يتم التعويل عليه كـ”حل مؤقت”، ليس صحيًا ولا بيئيًا، ولا يستوفي معايير الأمان البيئي المطلوبة. ومع ذلك، يبقى خيارًا اضطراريًا أمام خطرٍ أشدّ، خطر تكرار مشهد أنهار النفايات التي غمرت العاصمة قبل أقل من عقد، وتسببت بارتفاع معدلات السرطان والأمراض الجرثومية في لبنان، كما تؤكد الدراسات البيئية والطبية.

اليوم، بيروت على شفير كارثة جديدة. المدينة التي أنهكها التلوث من المولدات، ودخان السيارات، والمصانع والمعامل، تغرق تحت غيمة سوداء من المواد المسرطنة تخنق أهلها بصمت. فكيف إذا انضمت إلى هذا المشهد جبال من النفايات المتعفنة؟

لبنان لا يجب أن يصبح مستنقعًا للنفايات، ولا بؤرةً للأمراض والتلوث. لا يجوز أن يبقى الأول في نسب السرطان والأول أيضًا في نسب الموت. كفى لبيروت ما تعانيه، من انفجاراتٍ دمّرت شوارعها، إلى أزماتٍ تخنق ما تبقى من حياة فيها.

شعب بيروت لا يريد أن يموت.

إن نجا من السرطان، لا يجب أن يموت في الانفجار. وإن نجا من الانفجار، لا يجب أن يموت في الهواء المسموم أو بين أكوام القمامة.