يحبّ اللبنانيون أن يتمسّكوا بالأمل، لكن في بلدٍ تتكرر فيه المآسي بالوجوه نفسها، يصبح الأمل مؤجلاً… مثل الإعمار.

اليوم، تعود الدعوات إلى إعادة إعمار الجنوب بعد موجة الغارات الإسرائيلية الأخيرة، وتتعالى الأصوات، من حزب الله تحديداً، للمطالبة بأن تتحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية الإعمار، فيما يحمّل الحزب نفسه المجتمع الدولي وزر حربٍ هو من بدأها.

وفي الوقت نفسه، يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعقد مؤتمرين نهاية هذا العام: الأول لدعم القوات المسلحة اللبنانية، والثاني لإعادة الإعمار. مبادرة تبدو نبيلة في الشكل، لكنها تصطدم بواقع بسيط وواضح:

بكير على إعادة الإعمار.

ما جرى بالأمس في الجنوب، وما قد يجري غداً، يثبت أن أي إعمار قبل حلّ المشكلة الأساسية سيكون بناءً على الرمل. فكل ما سيُعمَّر اليوم مهدّد بالدمار غداً، لأن جذر الأزمة ما زال قائماً: سلاح حزب الله خارج سلطة الدولة.

الحقيقة أنّه لا إعمار قبل الدولة، ولا دولة بوجود سلاحين. ما دامت القرارات الكبرى تُتخذ من خارج المؤسسات، سيبقى لبنان يدور في الحلقة ذاتها: حرب، دمار، إعمار… ثم حرب جديدة.

حزب الله اليوم يريد من الدولة والمجتمع الدولي أن يعمّرا ما دمّرته إسرائيل، ثم أن يحملا كلفة جولة مقبلة حين تعود إسرائيل لتدمّر ما بُني من جديد. دائرة عبثية لن تنكسر إلا حين يعترف الحزب أنّ السلاح الذي يتفاخر به هو السبب في دمار الجنوب الذي يقول إنه يحميه.

فما نفع إعادة الإعمار إذا كانت المعادلة نفسها باقية؟ ما جدوى بناء مدرسة أو مستشفى أو طريق، إن كان من يقرّر مصيرها ليس الدولة اللبنانية بل تنظيم مسلح يجرّ البلد إلى مواجهات بلا غطاء شرعي ولا مصلحة وطنية؟

بكير على إعادة الإعمار…

لأننا لم نضع بعد حجر الأساس للاستقرار.

ولأنّ كل بيت سيُبنى اليوم، سيبقى معلّقاً على خيط قرارٍ واحدٍ لم يُتخذ بعد:

أن يسلم حزب الله سلاحه، وتستعيد الدولة قرارها.

عندها فقط، حين يصبح السلاح واحداً، والقرار واحداً، يمكن أن نبدأ فعلاً بإعمار وطنٍ اسمه لبنان، لا ساحة تُعاد إعمارها بين حربٍ وأخرى.