لم يعد خطاب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بحاجة إلى تفسير. الرجل قالها صراحة: اتفاق وقف إطلاق النار هو حصراً لجنوب الليطاني، ولا خطر على المستوطنات الشمالية.
هكذا، بكلمتين، أراح إسرائيل وهدد الداخل اللبناني.

بهذا الكلام، وجّه قاسم رسالتين واضحتين ومتناقضتين في آنٍ واحد: من جهةٍ، طمأن العدو الإسرائيلي بأنّ سحب السلاح جنوب الليطاني سينفذ التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار، أي أن المستوطنات الشمالية في اسرائيل بمنأى عن أي تهديد. ومن جهةٍ أخرى، بعث برسالة تهديد مبطّنة إلى الداخل اللبناني، مفادها أنّ لا مجال لمناقشة سلاح الحزب أو شرعيته، حتى ولو انتفى مبرر وجوده شمال الليطاني.

فإن كان القتال ضدّ إسرائيل، بحسب قوله، لا يمكن أن يكون إلا من جنوب الليطاني، فما الحاجة إلى سلاحٍ يمتدّ شماله ويخترق عمق الدولة؟ ولماذا يصرّ الحزب على الاحتفاظ بمنظومة عسكرية موازية لجيشٍ شرعي يُفترض أن يتولّى هو وحده حماية الحدود والدفاع عن الوطن؟

تصريحات قاسم لا يمكن قراءتها إلا كرسالة مزدوجة: طمأنة للعدو، وتخويف للداخل. وهذا ما يضع الحزب مجدداً في موقع المتهم بمحاولة رسم حدود السيادة اللبنانية وفق أجندته الخاصة، لا وفق منطق الدولة والقانون.

إذا كان هدف حزب الله فعلاً حماية لبنان، فليبدأ من حيث يجب أن تبدأ الحماية: تحت سقف الدولة، وبالاحتكام إلى مؤسساتها وحدها. أمّا الاستمرار في خطابٍ يطمئن إسرائيل ويقلق اللبنانيين، فليس مقاومةً بل انقلاب على فكرة الوطن نفسه.