خرج نائب من حزب الله (علي المقداد) ليُبشّر اللبنانيين بأن حزبه «هواة استشهاد وشهادة». وكأنّ البلاد ينقصها مزيدٌ من الجنائز كي يكتمل المشهد. وكأنّ اللبناني، الذي سُحقت سنواته تحت الأزمات، يحتاج من يذكّره بأن حياته ليست أولوية، وأن مشروع الموت ما زال الأعلى كلفةً والأعلى صوتًا.

هذه العقلية لم تعد مجرّد خطاب، بل منظومة متكاملة تُربّي جمهورًا على تمجيد النهاية قبل البداية، وعلى اعتبار القبر محطة وطنية. ثقافةٌ تُعلّم الشاب أن حلمه ليس بناء بيت أو مستقبل أو دولة، بل أن يصبح «مشروع شهيد».

لكن الحقيقة المُرّة أنّ الشعوب التي تهوى الموت لا تبني أوطانًا. والشعوب التي تُقاد إلى الموت كقطعان لا تُقيم دولة. وأنّ أي حزب يعتبر نفسه «هاويَ استشهاد» هو عمليًا هاوٍ في السياسة، هاوٍ في الدولة، وهاوٍ في حماية الوطن. لأنّ المهنة الوحيدة التي يتقنها تصبح إنتاج ضحايا بدل إنتاج حلول.

الاستشهاد ليس هواية. الاستشهاد موقفٌ نادر، تاريخي، تُفرضه ظروف استثنائية. أما تحويله إلى «أسلوب حياة» فهذا إعلان فشل: فشل في السياسة، فشل في بناء الدولة، وفشل في تقديم أي مشروع غير الحرب الدائمة.

والأخطر أنّ هذه اللغة تُقال اليوم بعدما انكشفت كل الشعارات، وسقطت كل المبرّرات، وبات السلاح بلا قضية وبلا منطق. من يكرّر خطاب الشهادة اليوم إنما يهرب من حقيقة واحدة: لم يعد هناك مشروع. لم يعد هناك رؤية. لم يعد هناك سوى عادة… وعادة الموت أخطر من الموت نفسه.

لبنان لا يحتاج «هواة استشهاد». لبنان يحتاج هواة حياة، هواة دولة، هواة عدالة. ثقافة الموت انتهت. الناس تريد أن تحيا. ومن لا يفهم ذلك… سيبقى وحده يصفّق لخطاباتٍ فارغة فوق ركام وطنٍ يحاول أن ينهض رغمًا عنهم.