يأتي مشروع قانون الفجوة المالية في توقيتٍ دقيق، حيث لم يعد مقبولًا استمرار المراوحة في ملف الودائع، ولا ترك أموال الناس عرضة للتآكل بفعل الوقت والتضخّم والانهيار المستمر. الإعلان المنتظر من رئيس الحكومة نواف سلام يشكّل خطوة ضرورية طال انتظارها، لأنه ينقل النقاش من دائرة الشعارات إلى مسار عملي قابل للتنفيذ.

أهمية هذا القانون لا تكمن فقط في مضمونه المالي، بل في مقاربته الواقعية. فهو ينطلق من مبدأ واضح: حماية أكبر عدد ممكن من المودعين، لا حماية أصحاب النفوذ. إعطاء أولوية للودائع حتى سقف مئة ألف دولار، وتقسيطها على أربع سنوات، يعكس محاولة جدّية لتحقيق توازن بين حقوق الناس والإمكانات المتاحة، بدل بيع أوهام لا قدرة للدولة على تحقيقها.

الأهم أن المشروع يضع حدًا للفوضى التي رافقت السنوات الماضية، حيث استفاد البعض من الهندسات المالية ورفع الفوائد، بينما تُركت الغالبية تواجه مصيرها. تصحيح هذه الاختلالات لا يُعدّ استهدافًا لأحد، بل إعادة ضبط لمسار خرج بالكامل عن أي منطق اقتصادي سليم. العدالة هنا ليست في المساواة المطلقة، بل في التفريق بين من حُرم قسرًا ومن استفاد عن وعي وربح من الانهيار.

كذلك، يكتسب القانون بعدًا إصلاحيًا أوسع، لأنه يربط الحل المالي بإعادة الانتظام إلى دور الدولة ومؤسساتها، ويؤكد أن تأجيل القرارات لم يعد خيارًا. فكل يوم تأخير يعني خسارة إضافية للمودعين، وتراجعًا جديدًا في فرص استعادة الثقة الداخلية والخارجية.

قانون الفجوة المالية لا يُنهي الأزمة بين ليلة وضحاها، لكنه يفتح الباب أمام مسار تصحيحي حقيقي، قائم على الوضوح والمصارحة بدل التهرب والإنكار. هو خطوة أولى ضرورية، وإذا أُقِرّ ونُفِّذ بجدّية، يمكن أن يشكّل أساسًا لإعادة بناء النظام المالي على أسس أكثر عدلًا وشفافية.

في بلدٍ استنزفته الحلول المؤجلة، يصبح إقرار هذا القانون خيارًا مسؤولًا، لا مثاليًا، لكنه ممكن وهذا وحده كافٍ ليكون موضع دعم.