عرفت الطائفة الشيعية عبر تاريخها انقساما في الولاء الديني، بين مرجعيتي قم والنجف، والامر نفسه انسحب الى لبنان، فاستمرت المرجعيات الشيعية اللبنانية قريبة من النجف والتي تمثل الفكر الحسيني ببعده التاريخي فيما اعتبرت قم مرجعية الولي الفقيه والثورة الاسلامية، ولكن عاد وظهرت مرجعية لبنانية “بلدية” تمثلت بالإمام محمد مهدي شمس الدين الى ان نجحت الثورة الاسلامية في الوصول الى بيروت.
بعد عقود من الصراع بين المرجعيات نجحت مرجعية قم في بسط نفوذها داخل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، بعد سيطرتها سياسيا على الطائفة، ومع الامداد المالي الضخم من إيران انحسرت الحالة الشعبية اللبنانية وتمددت المرجعيات التابعة لإيران خصوصا في ظل التحالف السياسي مع حركة امل، حتى بات مشروع الولي الفقيه السياسي والديني هو الطاغي على المذهب الشيعي في لبنان.
في ظل المعركة الشيعية – الشيعية ضد إيران انتفضت أسماء عربية دينية تحررت من الطائفية لتذكر وتنذر، ومن تلك الأسماء السادة علي الأمين ومحمد حسن الأمين وهاني فحص. والحديث عن هذه القامات تأكيد بأن الخلاف مع إيران وميليشياتها هو خلاف أخلاقي وَوطني وسياسي وديني.
نموذج محمد حسن الأمين فيه قدوة الشجاعة وإن كان غادرنا جسداً، فأفكاره الحية لا تموت، في مقابلة على شاشة روتانا خليجية، أدلى بالمواقف التالية:
رفضي لولاية الفقيه، مستمد من رفضي للدولة الدينية التي تغطي استبدادها بالدين.
ولاية الفقيه لم تقدم شيئاً للشعب الإيراني، وبإمكان نظام مدني أن يقدم الأكثر والأفضل لإيران.
حمل “حزب الله” للسلاح يناهض وجود الدولة.
الشيعة مواطنون في الأساس، ويجب أن يتصرفوا في كل بلد يعيشون فيه بهذا الوصف.
لم أتصور أنه يمكن الاستهتار في لبنان بقتل رجل مثل المفتي حسن خالد. كلهم يعرفون من قتله وكلهم يصمتون.
منذ ثمانينات القرن العشرين، وقف العلاّمة الأمين ضد قيام حزب الله باختطاف الرهائن الأجانب واستهداف المدنيين وتأجيج الاقتتال الأهلي وممارسته.
في هذا الزمن الطائفي والمتطرف يبدو صوت العلامة السيد علي الأمين خافتاً، لكن همسة الحق أشد فتكاً ودوياً من رصاص الباطل وصخبه، وحرب الميليشيات الإيرانية الإرهابية ضده دليل على ذلك، من الانقلاب عليه كمفتٍ لصور وليس انتهاء بالقضية الكيدية الطريفة التي استهدفوه بها. من يعلن الحرب ضد فحص والأمينين لا يمكن ان يدعي حماية الشيعة وحراسة حقوقهم، ومن يعلن هذه الحرب لا يستغرب منه قتل المفكر الفذ لقمان سليم.
الصراع في لبنان اليوم ليس مذهبيا او طائفيا، بل مع مشروع حضاري واجب انكساره لأنه يمثل الظلام والدم والفوضى والدمار والكراهية أو ما يسمى بالمشروع الإيراني.