إلغاء العرض العسكري في عيد الاستقلال ليس تفصيلاً عابرًا. هو قرار يصيب قلب الرمزية الوطنية، في لحظة كان اللبناني بأمسّ الحاجة لأن يرى دولته واقفة وجيشه حاضرًا. فالعرض العسكري ليس استعراض قوة، بل استعراض طمأنينة ونافذة صغيرة يتأكد عبرها المواطن أنّ مؤسساته ما زالت تنبض، وأن العلم لم يُطوَ مهما ضاقت الظروف.

اللبناني اشتاق لهذه اللحظة، اشتاق أن يرى جيشه يمرّ أمامه بخطوة ثابتة، وأن يشعر ولو ليوم واحد أنّ هذا الوطن لا يزال لديه ما يفتخر به. فهل الوضع الأمني فعلاً لا يسمح؟ وإذا كان كذلك، لماذا لا يشرح أصحاب القرار للناس؟ وإذا لم يكن كذلك، فلماذا حرمان اللبنانيين من مناسبة توحّدهم؟

ثم ماذا عن صورة لبنان أمام العالم؟ عيد الاستقلال مناسبة دبلوماسية بامتياز: سفراء، قناصل، رؤساء بعثات يشهدون على الدولة وهي تقدّم نفسها بثبات عبر مؤسستها العسكرية. هذه اللحظة كانت تعزز علاقات لبنان الخارجية وتشكل رسالة سيادية واضحة. فهل من مصلحة البلد التفريط بهذه الرمزية، وبما تمنحه من ثقة دولية؟

إلغاء الاحتفال بعيد الاستقلال يجيز لنا طرح عدة أسئلة مشروعة: ماذا يربح لبنان من الغاء الاستعراض؟ ماذا يكسب صانع القرار عندما يطفئ آخر المناسبات الجامعة؟ ولماذا تقزيم يومٍ يشكّل مناسبة نادرة للالتقاء حول الجيش والوطن؟

الاستقلال ليس ذكرى في كتب التاريخ، هو فعل حضور. والجيش هو هذا الحضور. وما يحتاجه اللبناني اليوم المزيد من القرارات والخطوات التي تقول إن الدولة ما زالت هنا، وإنها لا تخجل من الظهور في عيدها الوطني.