في بلدٍ اعتاد تبرير كل خطيئة بذرائع جاهزة، لم يعد مستغربًا أن يُستكمل ما عجز عنه العدو بأيدٍ محليّة. ما لم تُسقطه القذائف، أُسقط بالجرافات. وما صمد في وجه الحرب، لم يصمد أمام قرارٍ بارد، منزوع الحسّ والذاكرة.

هكذا اختفت كنيسة السيّدة. لا لأنها شكّلت خطرًا داهمًا، ولا لأنها تحوّلت إلى ركامٍ غير قابل للإنقاذ، بل لأن أسهل الحلول دائمًا هو الهدم. الهدم بدل السؤال، والهدم بدل الترميم، والهدم بدل تحمّل المسؤولية.

هذه الكنيسة لم تكن مجرّد بناء حجري. كانت جزءًا من هوية البلدة، من سرديتها، من تاريخها غير المكتوب. كنيسة صغيرة، نعم، لكنها كبيرة بما يكفي لتكون شاهدًا على قرنٍ من الحياة، وعلى عدوانٍ حديث كان يفترض أن يحوّلها إلى رمزٍ لا إلى ضحية إضافية.

الأخطر فيما جرى ليس الفعل بحد ذاته، بل المنطق الذي ساد: منطق يعتبر أن الذاكرة عبء، وأن المعالم التاريخية يمكن شطبها بتقرير تقني، وأن الحفاظ على الإرث ترف لا وقت له في زمن الأزمات. كأن المطلوب من القرى المنكوبة أن تمحو آثار الجريمة بدل أن تحفظها، وأن تُسكت حجارتها بدل أن تتركها تنطق.

ثمّة فارق شاسع بين كنيسة مهدّدة بالسقوط وكنيسة متضرّرة. بين خطرٍ فعلي وخيارٍ متسرّع. وبين قرارٍ مسؤول وخضوعٍ سهل لفكرة الانتهاء من الملف. نحن أمام إعدامٍ متعمّد لمعْلَم كان يمكن تثبيته، ترميمه، أو حتى تركه واقفًا كشاهدٍ على ما حصل.

ما جرى في الخيام ليس حادثًا تقنيًا، بل فضيحة ثقافية وأخلاقية. فضيحة في بلدٍ يشكو من فقدان هويته، ثم يساهم بنفسه في محو ما تبقّى منها. حين تُهدم الكنائس، لا يُهدم الحجر فقط، بل تُهدم الذاكرة، ويُقال للناس إن تاريخهم قابل للإزالة متى أصبح مزعجًا.

الكنائس لا تُهدم لأنها متعبة، بل تُصان لأنها شاهدة. وما لا نحفظه اليوم، سنبحث عنه غدًا في الصور ونتساءل متأخرين: كيف سمحنا بهذا؟