سقط الأسد في سوريا وبقيت مجموعاته مسلّحة في لبنان.
يكاد يسقط الخميني في إيران وتبقى مجموعاته مسلّحة في لبنان.
سقط السنوار في غزة وبقيت مجموعاته مسلّحة في لبنان.
ثلاث نهايات لأنظمة، وثلاث بدايات لبنانية لميليشيات لا تموت. كأن لبنان صار المقبرة التي لا تُدفَن فيها الجثث، بل تُستَنسَخ منها نسخٌ جديدة تحمل السلاح نفسه، وتقاتل بالنيابة عن أوطانٍ أخرى.
في كل سقوط إقليمي يولد فرع لبناني، وفي كل اهتزاز هناك، هناك من يثبّت البندقية هنا. ما عاد البلد دولة، بل محطة لجوء للسلاح، ومستودع أزمات مفتوحة على الفوضى. كل بندقية فقدت أرضها وجدت حضناً في لبنان، وكل تنظيم لفظه شعبه وجد فينا ملجأً ومربّعاً أمنياً.
لماذا يبقى لبنان وحده مفتوحاً أمام هذه الظواهر؟ لماذا لا تُرفَع كلمة الدولة فيه فوق صوت الميليشيا؟ مما تخاف الدولة اللبنانية؟ من حرب أهلية؟ من غضب حليف؟ من تهديد السلاح؟ أم من نفسها حين ترى في العجز نوعاً من الحماية؟
كل مرة ينتظر اللبنانيون “دفشة” من الخارج كي يقولوا ما يعرفونه في داخلهم: لا قيام لدولة مع سلاح خارجها، ولا سيادة مع سلطة موازية، ولا وطن مع ولاءات تتوزّع بين دمشق وطهران وغزة. لكن حتى تلك الدفشة لا تأتي، لأن الخارج اعتاد أن يتعامل مع لبنان كمنطقة رمادية، يسكنها الجميع ولا يملكها أحد.
هذا البلد الذي وُلد على فكرة التوازن صار يعيش على حافة الانهيار الدائم. لا دولة قادرة على فرض القانون، ولا جيش يملك القرار الكامل، ولا سلطة تجرؤ على رفع الصوت في وجه المسلّحين. كأن لبنان يُدار بالسكوت، ويُحكم بالخوف.
يسقط الأسد ولا تسقط شبكاته، ينهار النظام الإيراني ولا ينهار نفوذه، تتغيّر موازين غزة ولا يتغيّر شيء في لبنان. ثلاث مرايا لبلدٍ ينعكس فيه كل ما ينهار حوله، ولا ينهض هو أبداً.
متى ينكسر هذا النمط؟ متى تقول الدولة كلمتها لا بصوت الخائف ولا بصوت الموارب، بل بصوت من يريد وطناً لا مرتعاً؟ متى يتحرر لبنان من دور المستودع، ويعود دولة لها حدودها وسلاحها وسيادتها؟