ما حصل في انتخابات اتحاد بلديات المتن الشمالي ليس مجرد استحقاق بلدي عابر، بل محطة مفصلية تكشف حجم الفساد الذي يضرب العمل المحلي وتحكمه عقلية النفوذ والهيمنة على حساب الشفافية والقانون. فوز ميرنا المر برئاسة الاتحاد لم يكن نتيجة تنافس ديمقراطي نزيه بين رؤى متباينة، بل كان تجديدًا لنهج عمره أكثر من ثلاثين عامًا، تُحكم فيه البلديات بمنطق الصفقات وتُدار فيه الشؤون العامة كأنها شؤون عائلية.
الاتحاد الذي يُفترض أن يكون محرّكًا للإنماء وخدمة المواطنين، تحوّل منذ زمن إلى صندوق مصالح مغلق، تُدار مفاصله بالتسويات والتغطيات غير القانونية والزبائنية، وغالبًا ما يُستخدم كأداة ضغط وتحكّم لا كإدارة في خدمة كافة المتنيين. إعادة انتخاب ميرنا المر ليست سوى تأكيد على أن قوى الأمر الواقع قادرة على حماية امتيازاتها رغم كل الخطاب الإصلاحي في البلد، إما بشراء الأصوات وولاء رؤساء البلديات، أو بالضغوطات والترهيب.
لكن، وسط هذا المشهد القاتم، لا يمكن تجاهل المحاولة الجدية التي خاضتها نيكول الجميّل، رئيسة بلدية بكفيا، بدعم من حزب الكتائب اللبنانية. فقد شكّلت الجميّل صوتًا معارضًا جريئًا داخل الاتحاد، وطرحت مشروعًا واضحًا للإصلاح والشفافية وإخضاع الأداء البلدي للمساءلة القانونية والمؤسساتية. ما ميّز هذه المحاولة أنها لم تكن شعبوية، بل استندت إلى برنامج واضح ورؤية تقدّمية، مدعومة من حزب بدأ يُثبت حضوره من جديد كقوة وطنية وازنة على امتداد لبنان، والاستحقاق البلدي الأخير خير دليل.
صحيح أن هذه المواجهة لم تُثمر فوزًا عدديًا، لكن قيمتها السياسية والمعنوية كبيرة. فهي كشفت عن أن حزب الكتائب يستحوذ على ثلث الاتحاد وحيدًا، في مقابل باقي مكوّنات المتن جمعاء التي تكتلت ضده وشكّلت الثلثين.
هذه الانتخابات أتاحت للكتائب إعادة النظر في تحالفاتها، بعد أن خذلها جميع الحلفاء في هذه المعركة، إما لأسباب شخصية يضمرها البعض في داخله من الماضي، أو خضوع البعض الآخر أمام العامل المالي الذي استعمله آل المر.
في النهاية، المتن خسر فرصة الإنقاذ اليوم، لكنه كسب معارضة شرسة ستستمر في كشف مكامن الخلل والفساد في الاتحاد، وذاك هو الرهان الحقيقي.