لم يعد السؤال عن موقع “حزب الله” في لبنان والمنطقة مجرّد جدل سياسي، بل تحوّل إلى جزء من المعاناة اليومية التي يعيشها اللبنانيون، بما فيهم بيئة الحزب نفسها. ففي القرى والبلدات التي شكّلت حاضنته الأساسية، لم تعد صورة “المقاومة” وحدها تكفي، إذ غرق الناس في أزمات الخبز والدواء والكهرباء، فيما لم تعد الخطابات العسكرية والسياسية تعالج وجعهم المباشر.

داخليًا، تفكّك التحالف مع “التيار الوطني الحر” بعد نهاية عهد ميشال عون، فيما تتريّث حركة “أمل” في الذهاب خلف كل خطاب قد يثير شبح الحرب الأهلية. الرئيس نبيه بري كان صريحًا في أكثر من مناسبة بالتأكيد على أن اللبنانيين دفعوا ثمنًا باهظًا في الماضي، وأن لا مصلحة لأحد في إعادة فتح الجراح.

خارجيًا، جاءت زيارة الموفدين الأميركيين توم برّاك ومورغان أورتاغوس إلى بيروت لتؤكد دعم واشنطن لمسار حصر السلاح بيد الدولة، ولتوجيه رسالة بأن لا أحد يريد حربًا أهلية جديدة في لبنان. تزامن ذلك مع تجديد النقاش حول مهمة “اليونيفل” في الجنوب، بين ضغوط أميركية – إسرائيلية لمنحها صلاحيات أوسع، ومحاولات فرنسية للحفاظ على الوضع القائم، وهو ما يراه “الحزب” استهدافًا مباشراً لدوره.

إقليميًا، يستند “الحزب” إلى إيران التي تواجه بدورها ضغوطًا اقتصادية وعقوبات تحدّ من قدرتها على توفير الغطاء السابق. أما في سوريا، فقد تراجعت قوته مع تبدّل موازين الحرب وسقوط نظام الأسد، ما قلّص من نفوذه وأثقل بيئته الداخلية بخسائر بشرية ومالية.

دوليًا، اتسعت دائرة العزلة مع توسع العقوبات الأميركية والأوروبية، وتجفيف قنوات التمويل والدعم، فيما بات يُنظر إلى الحزب باعتباره عامل تهديد للاستقرار لا ورقة مقاومة.

اليوم، يقف “حزب الله” أمام امتحان عسير: داخليًا الانقسام يتسع، إقليميًا تقلّصت الهوامش، ودوليًا يشتد الخناق. لم يُترك وحيدًا بالكامل، لكنه لم يعد يمتلك شبكة الحماية التي ضاعفت قوته لعقود. وبين صورة المقاومة التي تتلاشى في الداخل، وضغوط الخارج التي تتزايد، يطرح السؤال نفسه: هل يستطيع “الحزب” إعادة إنتاج نفسه أم أن مرحلة جديدة بدأت تُرسم لمساره السياسي والعسكري؟