ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها نبيه برّي وسلطته سلبَ المغترب اللبناني حقّه.

فمنذ زمنٍ طويل، والمغترب اللبناني يدفع ثمن سلطةٍ لا ترى فيه سوى مغنماً للفريش دولار، لا إنساناً له حنينه وأحلامه وحقّه في الوطن.

نبيه برّي وسلطته سلبا من المغترب حقَّه في أن يعيش بين أهله وأحبّته، أن يربّي أولاده على أرضهم، وأن يشعر بأنّ له بيتاً ينتظره لا حدوداً تفصله عنه.

نبيه برّي وسلطته سلبا منه حقَّه في أن يحتسي فنجان قهوة على شرفة بيته في بلدته، حيث الذكريات الأولى، وحيث كان يفترض أن يكون الدفء لا الاغتراب.

نبيه برّي وسلطته سلبا منه حقَّه في أن يسهر في بيروت كما يشتهي، لا كضيفٍ عابرٍ على وطنه.

نبيه برّي وسلطته سلبا منه حقَّه في أن يقضي يوم إجازته مع أولاده دون أن يقطع آلاف الكيلومترات ليعانقهم.

نبيه برّي وسلطته سلبا منه حقَّه في أن يعيّد مع عائلته، أن يفرح معهم، أن يطفئ شمعة الميلاد في بيته، لا على شاشة هاتفٍ من بلادٍ بعيدة.

نبيه برّي وسلطته سلبا منه حقَّه في أن يعمل في مدينته، في أن يجد فرصةً تليق بجهده وكفاءته، فدفعوه إلى المنافي بحثاً عن حياةٍ كريمة.

نبيه برّي وسلطته سلبا منه الأمان، سلبا منه الاستقرار، سلبا منه الطمأنينة، سلبا منه الوطن بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى.

واليوم، نبيه برّي وسلطته يريدان أن يسلباه آخر ما بقي له من حقٍّ وكرامة: حقّه في التصويت الكامل، حقّه في أن يقول كلمته، أن يشارك في تقرير مصير وطنه الذي طُرد منه قسراً لا خياراً.

لكنّ ما لا يدركه نبيه برّي وسلطته هو أنّ المغترب اللبناني لم ينسَ، ولم يبتعد إلا جسداً.

صوته ما زال هناك، في وجدان الوطن، في ذاكرة القهر، في وجوه أولاده الذين ما زالوا يحلمون بلبنانٍ يشبههم لا يشبه سلطتهم.

اليوم، يحاولون إسكات صوته.

وقد يحرمونه من التصويت، لكنهم لن يمنعوه من أن يكون شاهداً على زمنٍ سرقوه باسم السلطة… وزمنٍ سيستعيده المغترب بصوته، ولو من بعيد.