في لحظة دقيقة من تاريخ لبنان، يعود النقاش الأساسي ليحتل الواجهة: سلاح حزب الله. لم يعد هذا السلاح يُقدَّم على أنه “مقاومة” بوجه الاحتلال، بل تحوّل إلى معضلة بنيوية تهدد فكرة الدولة بحدّ ذاتها. فكيف يمكن أن تقوم دولة حديثة، تمتلك جيشًا ومؤسسات، فيما يحتفظ حزب واحد بترسانة عسكرية خارجة عن الشرعية؟

إنّ طرح مسألة تسليم السلاح ليس مسألة تقنية أو تفصيلية، بل هو جوهر المشروع الوطني اللبناني. فحصرية السلاح بيد الدولة ليست خيارًا سياسيًا بل قاعدة دستورية وشرط وجودي لأي كيان سيادي. ومن هنا، فإن أي محاولة لربط هذا الاستحقاق بمقايضات تحت الطاولة، أو بشروط تُمنح للطائفة الشيعية في النظام اللبناني، إنما تشكّل انزلاقًا خطيرًا يعيد إنتاج التجربة نفسها التي أوصلت لبنان إلى الانهيار.

لقد خبر اللبنانيون جيدًا نتائج المقايضات السابقة. فحين مُنح حزب الله امتيازات سياسية وأمنية في عهد الرئيس إميل لحود، تحوّل السلاح إلى سلطة موازية كبّلت الدولة. وفي عهد الرئيس ميشال سليمان، لم تتمكّن الدولة من فرض سيادتها بسبب هذا السلاح الذي فرض نفسه لاعبًا أول. أمّا في عهد الرئيس ميشال عون، فيجوز القول إنّه عندما “حكم السلاح” وصلت البلاد إلى الانهيار الكبير. أمّا اليوم، فإنّ أي تفكير بتكرار السيناريو عبر منح الحزب أو الطائفة الشيعية مكاسب إضافية في النظام مقابل تسليم السلاح، يعني ببساطة تكريس مبدأ “الميليشيا أولًا، والدولة ثانيًا”.

الحقيقة الواضحة أن استعادة الدولة لقرارها لا تحتمل الشروط ولا التفاوض على أساس الامتيازات. فكما جرى تفكيك الأجنحة العسكرية للأحزاب التي انخرطت في الحرب اللبنانية، فإن حزب الله مطالب اليوم بخطوة مماثلة: تسليم السلاح دون قيد أو شرط.

إن أي مساومة من شأنها أن تفرغ هذا الاستحقاق من مضمونه. فالدولة لا تُبنى على صفقات جانبية، بل على سيادة القانون وتساوي جميع المواطنين أمامه. وإذا كان تسليم السلاح سيؤدي إلى منح الطائفة الشيعية “حصصًا جديدة” في النظام، فهذا يعني أننا لم نتعلم شيئًا من الماضي، وأننا مستعدون لبيع سيادتنا مقابل معادلات طائفية لا تنتهي.

إن اللحظة الراهنة فرصة تاريخية لاستعادة الدولة هيبتها. ولعلّ أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن يُختزل هذا المسار بصفقات جزئية تعطي الحزب غطاءً جديدًا. المطلوب واضح: دولة واحدة، سلاح واحد، قرار واحد. لا أكثر ولا أقل.