بعد أكثر من أربع سنوات على جريمة انفجار الرابع من آب، يعود مرفأ بيروت ليكتب فصلاً جديدًا في تاريخه، هذه المرّة بلغة الأرقام والإنجازات لا بلغة الركام والدمار.
ففي الرابع عشر من كانون الأول الجاري، سجّل المرفأ رقمًا قياسيًا غير مسبوق في الحاويات، مع استقباله ثلاث سفن في وقت واحد ومناولة نحو 12,800 حاوية نمطية خلال 24 ساعة، وهو أعلى معدّل يُسجَّل منذ إنشاء المرفأ.

هذا الإنجاز لا يمكن فصله عن المرحلة الجديدة التي دخلها المرفأ بعد أسابيع قليلة فقط على تسلّم مجلس الإدارة الجديد مهامه، في إشارة واضحة إلى تحوّل إداري وتشغيلي بدأ يترجم نتائج ملموسة على الأرض، ويكسر الصورة النمطية التي علقت بالمرفأ منذ الانفجار.

الأهم في هذا الرقم القياسي أنّه تحقّق في فترة ضغط استثنائي، تزامنًا مع موسم الأعياد وارتفاع وتيرة الاستيراد، من دون أي تراجع في الأداء أو جودة الخدمات. ما يعكس جهوزية تشغيلية عالية، وإدارة قادرة على التخطيط والاستجابة، بعد سنوات من الشلل والتجاذب.

إن ما يشهده مرفأ بيروت اليوم ليس مجرّد نجاح تقني عابر، بل رسالة ثقة إلى الخطوط الملاحية الدولية، ودليل عملي على أنّ المرفأ استعاد موقعه الطبيعي كمحور أساسي في حركة النقل البحري والتجارة الإقليمية. عودةٌ تحمل في طياتها بُعدًا اقتصاديًا وطنيًا، وتفتح نافذة أمل حقيقية أمام الاقتصاد اللبناني، عبر دعم الاستيراد والتصدير وتحريك العجلة التجارية.

هكذا، ومن قلب الجرح، ينهض مرفأ بيروت مجددًا لا كرمز للمأساة، بل كعنوان للتعافي، وكبوابة عودة لبنان إلى خريطة الاقتصاد في المنطقة.