شاءت الظروف ان ينتقل شاكر مع عائلته في رحلة سياحية ومع عودته الى عمله، طلب منه احد زبائنه ان يصدر شهادة انقاض لسيارته، فأخذ من الزبون دفتر السيارة واللوحتين كما يفرض القانون، توجه الى النافعة، سلم اللوحتين الى احدى الموظفات الجدد، وانتقل الى الشباك التالي لاستلام الايصال وفق الاصول الادارية، ليتفاجأ بالسيدة تطلب منه تسليمها اللوحتين، فقال لها بأنه سلمها الى الموظفة وفق الاصول ولا صلاحية لديها لتطلب اللوحتين، فاشتد النقاش وتوترت الاجواء، توجه شاكر الى رئيس الدائرة فهد الحازوري شارحًا ما حصل معه محتجًّا على تصرفات السيدة، طمأنه الحازوري بأنه سيصدر كتاب الى السيدة معترضًا على ادائها الاداري، ترك شاكر الايصال لم يستلمه من السيدة كي لا تتوتر الاجواء اكثر وعاد الى منزله.
في صباح اليوم التالي اخبر الحازوري شاكر بأن رئيس مصلحة السيارات السيد ايمن عبد الغفور استدعاه للتحقيق معه وعليه مقابلته في بيروت، وبما ان شاكر مفوض نقابة معقبي المعاملات في طرابلس وضليع في القانون سأل الحازوري عن الكتاب الموجه اليه فرد الحازوري بأن الاستدعاء تم شفهيًّا، فأبلغه بأن الاستدعاءات لها اصول ويجب ان تمرّ بالتسلسل الاداري وتصل اليه خطيًّا بعد توقيع مدير عام هيئة ادارة السير السيدة هدى سلوم على الكتاب وبما ان الاستدعاء لم يتم بالطريقة القانونية فهو باطل ولن يعيره اي اهمية.
اتصل شاكر بالسيدة هدى سلوم مستوضحًا الامر، فأقرّت بوجود شكوى ضده وعليه مقابلة عبد الغفور، فأبلغها انه لن يحضر ان لم تتبع الاجراءات القانونية ويستلم الاستدعاء خطيًّا. في اليوم الثاني وصل شاكر الى مركز عمله ليتفاجأ بمذكرة ادارية رقمها 100/2017 تمنعه من العمل لمدة ١٥ يوم وهي العقوبة القسوى لمعقبي المعاملات قانونيًّا، الصادرة تحت رقم 33/66 والتي نصت المادة على ان تنفيذ العقاب يتم بعد اجراء التحقيق مع المتهم وهو امر لم يتم.
غادر شاكر النافعة وتوجه الى اقرب محام رافعًا دعوى قضائية قانونية لبطلان قرار ايمن عبد الغفور. بعد انتهاء العقوبة، انهالت على شاكر الاتصالات من زملائه كي يعود الى العمل لكنه شعر بالخزي والعار ان يحضر الى مركز عمله الذي غادره من غير وجه حق. عاد شاكر الى العمل بعد اسابيع لان عمله مصدر رزقه الوحيد، في ظل تضييقات لا مثيل لها، فقد اتصل ايمن عبد الغفور مرارًا بالحازوري طالبًا طرد شاكر من عمله. غير أن الحازوري اثبت مرة تلو الأخرى انه من معدن وطينة شاكر طالب ونيته واضحة في مواجهة القمع والاستبدال.
مرت الايام وصدر الحكم عن مجلس شورى الدولة، بعد شهرين، ببطلان قرار ايمن عبد الغفور، ولم يكتفِ مجلس شورى الدولة بذلك القرار، بل اعتبر ايضا ان تعيين ايمن عبد الغفور رئيسا لمصلحة السيارات مخالف للقانون لانه صدر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق في حين يفترض صدوره عن المدير العام هدى سلوم (قرار مجلس شورى الدولة مرفق ربطا). بعد فترة زمنية اتصل وكيل شركة هيونداي في الشمال طالبًا تسجيل حافلة ركاب ملفها في الدكوانة لاحد انسبائه، وشاكر هو معقب المعاملات الوحيد لتلك الشركة في الشمال، استلم شاكر اوراق الحافلة وتقدم بطلب نقل ملف الحافلة من الدكوانة الى طرابلس، وتجدر الاشارة الى ان نقل الملف من “نافعة” الى اخرى يستلزم توقيع رئيس المصلحة ايمن عبد الغفور والمدير العام هدى سلوم، تمت الموافقة على نقل الطلب وباشر شاكر اجراءات التسجيل التي تتطلب اولًا التدقيق في رقم المحرك ورقم “الشاسي” والتأكد من مواصفات الهيكل، فتبين ان مواصفات الهيكل غير مطابقة، جميع حافلات هيونداي “ايتش 1” عدد ركابها ٨ بينما على اوراق الانقاض الحافلة عدد ركابها ١١ وبالتدقيق تبين ان رئيس مصلحة الميكانيك في الدكوانة السيد مارون مسلم اعطى صاحب الحافلة القديم امتيازًا خاصًّا بإضافة ٣ مقاعد عليها، رفض شاكر ان يسجل حافلة مخالفة للقانون مطالبًا بتسجيلها حافلة تتسع لثمانية ركاب وفق الاصول وهكذا تم.
بعد مرور بضعة ايام، ظن ايمن عبد الغفور انه اوقع بشاكر وباتت ايامه معدودة، فاستدعى عدة موظفين الى التحقيق وطلب إحضار عدة ملفات لحافلات “ايتش1” ليتبين له ان شاكر طالب رجل قانوني لم يخالف القانون في تسجيل تلك الحافلة. عندها وعلى ما يبدو ادرك ايمن عبد الغفور انه يتعامل مع رجل يتقن عمله، نزيه، وضليع في القانون، تعلم عبد الغفور من تجربته السابقة مع شاكر فإستدعاه بكتاب خطي وفق الاصول القانونية والادارية، لكن شاكر رد على الاستدعاء بدوره بكتاب رسمي معترضًا على استنطاقه من قبل ايمن عبد الغفور لان القانون ابطل تعيين عبد الغفور وحضوره امامه يعني اعترافه بالتعيين من جهة ومن جهة ثانية لا يمكن لشخصين بينهما نزاع قضائي ان يكون احدهما القاضي والمستجوب والجلاد، وسجل شاكر كتابه في القلم كما تقتضي الاصول القانونية.
يتبع غدًا الحلقة الثالثة والاخيرة