تداولت بعض الوسائل الاعلامية نقلًا عن الطاقم الاستشاري الاقتصادي لرئيس الجمهورية، مداولات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن تحويل ١٠ بالمئة من الودائع المصرفية بالعملات الاجنبية الى العملة اللبنانية، وسط رفض الحاكم متحججًا بعدم قانونية الخطوة لانها تحتاج الى قانون من المجلس النيابي.
ودائع اللبنانيين في المصارف بالعملات الاجنبية تقدر بنحو ١٨٠ مليار دولار، وبما ان المصارف تمر بأزمة نقدية، لا يمكن لاي مصرف شراء تلك الاموال المحولة، وحده مصرف لبنان الذي طبع مؤخرًا ٣ ترليون ليرة لبنانية قادر على شراء تلك الدولارات، وتعزيز احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، الامر الذي يخفّف من الضغط الذي يتعرض له المصرف من المستشفيات وشركات استيراد المواد الغذائية والمحروقات وسواها من الامور التي بدأت تنفذ من مستودعات الشركات اللبنانية الكبرى.
خطوة المحيطين بالرئيس اذا كانت صحيحة هدفها، كسب الوقت وتخفيف الضغط الذي يتعرض له العهد من قبل الثوار لحين همود غضب الشارع، الخطوة ان اكدت على شيء تؤكد على امرين، الاول والاهم ان السلطة السياسية لا تريد المس بمكتسباتها وشيئًا لم يتبدل بمفهومها ونظرتها لادارة المال العام، الثانية ورعم نفي جميع المعنيين بعدم اجراء “hair cut ” غير ان الخطوة هي عبارة عن حلاقة مقنعة لم تتردد السلطة يومًا في اعتماد اساليب المكر.
تصريح وزير المالية غازي وزني عن حاجة لبنان الى استدانة مبلغ ٥ مليار دولار من المجتمع الدولي تؤكد ايضًا ان استراتيجية الاستدانة من الخارج مستمرة ولو كانت تلك الاستدانات المتعاقبة منذ عقود هي اساس علة الاقتصاد وتدهوره، السلطة تراهن على عامل الوقت لحين استخراج النفط غير مكترثة بالموقف الدولي المتشدد والذي تم ابلاغه الى الرؤساء الثلاث علنًا بأن لا امكانية لاستخراج النفط وإن تم استخراجه لا فرصة امام الدولة اللبنانية لبيعه بينما لبنان على علاقة غير مسقرة وغير واضحة مع اسرائيل، وما انسحاب سفينة التنقيب الاميركية من قناة السويس الى شرق آسيا متحججة بعدم تأمين اموال التأمين على السفينة الا اول رسالة عملانية للموضوع. بينما التصاريح الاميركية الرسمية الاخيرة اشترطت دعم لبنان ماليًّا بالسيادة اللبنانية الا رسالة ثانية الى الدور الذي يُرسم لسلاح حزب الله في المرحلة المقبلة.
ادارتنا لمقدرات الدولة لسنوات وغياب الخطط الاقتصادية والعبث بالمالية العامة للدولة اوصلنا الى نقطة لا خروج منها الا من خلال التعاون مع المجتمع الدولي، والمجتمع الدولي بدوره راقب الاوضاع الاقتصادية اللبنانية عن كثب منتظرًا الفرصة المؤاتية لفرض شروطه على الدولة اللبنانية الكهلة اقتصاديا.
بإختصار هذا ما جنته عقولنا ونحن امام خيار من اثنين إما الموافقة على تلك الاملاءات الغربية وإما الاستمرار في الظروف الاقتصادية السيئة لعقود والتي قد يحولها الغرب في اي قرار يتخذه الى ظروف عوز وفقر بحيث يصبح لبنان دولة على شاكلة فنزويلا او كوبا او ايران (رغم تكابرها) او اي دولة من دول مجاهل افريقيا.
لكن الاهم كيف يعتبر محور المقاومة شروط صندوق النقد الدولي شروطا غير سيادية وتدخل سافر في الشؤون السياسية الداخلية، بينما يطالب وزير المالية احد ممثلي المحور في الحكومة صندوق النقد الدولي بالسلفة؟ والسؤال الثاني هل تتمكن المنظومة الحاكمة من انتزاع قرار في المجلس النيابي بتحويل ٣ ترليون ليرة لبنانية الى الدولار لتكسب المنظومة الحاكمة بضعة أشهر قبل إلى الظروف التي نحن فيها اليوم؟