شربل دياب
طالعتنا القاضية غادة عون في الأيام الأخيرة بمسرحيةٍ باتت مألوفة لدى الشارع العوني، وهي استخدام القضاء لمنافع حزبية عبر الإحتكام الى الإستنسابية في التعاطي مع الملفّات المشبوهة، فداهمت إحدى مكاتب الصيرفة ونقل الأموال في منطقة عوكر، ومعها حشدٌ حزبي ينتشي من الخطوات الرائعة المعالم في الشكل والفارغة في المضمون.
مدعي عام التمييز غسان عويدات أصدر قراراً بمنع القاضية غادة عون من النظر بالجرائم المالية وجرائم الإتجار بالبشر والمخدرات وجرائم القتل، ما يعني حصر المراجعات بهذه الجرائم بالقضاة الثلاثة من دون مراجعة النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون.
لكنّ فائض القوة دفعها برياح السيطرة على مفاصل الدولة من قبل منظومة المافيا والميليشيا، وكأن مكافحة الفساد باتت حكراً على طرفٍ دون سواه، وكأن الخلاص لا يأتي إلّا على يد من تنازل مراراً وتكراراً عن الدور الذي من المفترض أن تلعبه مؤسّسات الدولة.
استنزفت ودائع اللبنانيين بسبب رهاناتهم الإقليمية التي فرضت علينا الحصار، اما في المضمون، الفريق الذي يدّعي الإصلاح ويجاهر بالتغيير، دخل شريكاً منذ عقدٍ ونصف في بازارات المحاصصة والتعيينات القضائية الى أن وصل الى ذروة الحكم مع بداية عهد الرئيس عون، فأراد أن يصبح حركة أمل جديدة في الشارع المسيحي، مُتّبعاً سياسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالتوظيف العشوائي وتناتش الحصص في الدّولة المسلوبة.
من هنا بدأ مشوار الألف ميل في مغارة علي بابا التي أضيف عليها ضيف جديد يتقن التكافل والتضامن والمناكفات على حساب المصلحة العليا، فخطوة القاضية عون من حيث المنطق ليست بسيئة، إنّما ورقة تين على عيوب التيار المحسوبة عليه، نعم تيار حكم وزارة الطاقة لأكثر من 10 سنوات مع أكثر من ملياري دولار سنوياً كسلفة خزينة، عمّقت جراح أكثر قطاع حيوي في البلد في غيابِ حلولٍ مستدامة، بل حلولٍ مؤقّتة ثبت وبالدليل حجم السمسرات وتوزيع جوائز ترضية من خزينة الدولة، أو من ودائع اللبنانيين.
في هذا الملفّ على سبيل المثال، يحقّ للدولة بـ25 مليون دولار من البند الجزائي الموقّع مع شركة “كارادينيز” التي استقدمت بواخر الكهرباء الى لبنان عبر وكيلها المحلّي رالف فيصل وذلك في حال تم دفع عمولات للتوقيع على العرض، والذي أيضا ثبت بالتسجيلات ان جهات تقاضت عمولات او رشاوى لاستقدامها، من هنا: أين كانت غادة عون، وأين التيار الوطني الحر؟
وفي سياقٍ مُتّصل، وبالعودة الى موضوع تهريب الأموال الى الخارج، لماذا لم يُقرّ قانون الـ”كابيتال كونترول” في المجلس النيابي؟ مع العلم أن الأكثرية الحاكمة من نواب ووزراء وميليشيا هي في صالح فريق العهد، فبتنا نشهد يوميا أكبر عملية تهريب عبر الحدود الغير مضبوطة مع سوريا بحماية حزب الله.
ما قامت به القاضية غادة عون ليس قانونياً بل تخطٍّ واضح للقانون والقضاء، وأي ملفّ لا يُمكن أن يعالج الا بإحترام النصوص وتطبيقها وهو عملٌ مُقدّس يُقسم على حسن تطبيقه كلّ من يدخل الى الجسم القضائي، لذلك التشريعات لم ولن تكون يوماً وجهة نظر، بل واجب للوصول الى ما هو صحيح، أمّا التمثيل والمسرحيات يصحّ وصفها:” أنا رايح فين، أنا راجع تاني”.