لمن يعتقد أو يظن أنّ ما مررنا به خلال الأيام أو الأسبوع المنصرم صدفة أو أحداث سياسية روتينية تقليدية مخطىء، فالأحداث التي جرت مفتعلة وعن سابق تصوّر وتصميم، لا بل عقول جهنمية خططت لها، وعقول شيطانية تكفلت بردات الفعل عليها.
اعتاد اللاجئون السوريون التوجه الى سفارة بلادهم وتجديد البيعة لرئيسهم بشار الأسد، لكن الشجاعة الفائضة او الوقاحة دفعت بهم الى التجول في ساحة ساسين قبل موعد الانتخابات، واحد ما في سرداب ما طلب منهم استفزاز سكان جبل لبنان وتنظيم مواكب سيارة ترفع صور بشار الاسد والعلم السوري، وكأنه كان يعلم أنّ مشهدًا كهذا لن يمر مرور الكرام.
والعقل الجهنمي عينه طلب من محافظ بيروت عدم الانصياع الى طلب وزير الداخلية بمنع الاحتفال القومي في شارع الحمرا، وكأنه كان يعلم بدوره ايضًا ان هتافات الترحيب بقاتل رئيس الجمهورية ستردد وسيقابلها في شارع اخر طلب حلّ حزب لا يؤمن بسيادة لبنان وحدوده النهائية.
مع انطلاق ثورة 17 تشرين اطل حسن نصرالله في اسبوع واحد على جمهوره ٣ مرات، المرة الاولى لم يمنع أبناء بيئته من المشاركة في الاحتجاجات والثانية ايضا، ليطلق بعدها فرق الشبيحة الخاصة به على الدراجات النارية تحطم وتضرب الثوار وتروعهم علّ جمهوره في كفررمان وصيدا يسمع قبل كلمته الثالثة.
اليوم أعاد نصرالله بسط سيطرته على المنظومة الحاكمة، وهو يحرك أحزابها كأحجار الشطرنج، يسحب فتيل التغيير من المبادرة الفرنسية برفضه الانتخابات النيابية المبكرة، ينحاز الى حكومة حسان دياب ذات اللون الواحد والتي أمعنت في إفقارنا، ثم يطالب بالحريري رئيًسا للحكومة في محاولة يائسة للانقاذ أو ربما لإدراكه أنه أعجز من ان يؤلف.
ما نمر به أمر مخطط له، يُذكّرنا باليوم المشؤوم، يوم طالب وليد جنبلاط بوقف شبكة اتصالات حزب الله وشهد لبنان اجتياح الميليشيات الشيعية لشوارع العاصمة واتفاق الدوحة، والأهم أنّ جنبلاط نفسه انتقل من ضفة 14 آذار الى الحياد الذي يخدم حزب الله.
اليوم الخطة مختلفة وإن كانت أشدّ دهاء، المطلوب اليوم شد العصب الطائفي من جهة، والحزبي من جهة أخرى لاسترجاع الجماهير التي توالي الثورة وتقويض وتحطيم الخطاب الوطني الذي غذّى لبنان من الشمال الى الجنوب.
المطلوب ان تستعيد القوات عصبيتها وجمهورها وتظهر بموقع القوي لان ذلك يستفز من كان يوالي التيار الوطني الحر، وعامة الناس تحركها الغرائز وردود الفعل ولا تبحث عن السبب الاساسي للفعل. لن نسمح لكم باستيلاد جمهوركم، ولن نسمح لكم بتحريك عصبياتنا، ولا يهمنا موقف الحزب القومي السوري من الرئيس بشير الجميّل لانه موقف ثابت منذ نصف قرن، واعادة فتحه اليوم لا تقدم ولا تؤخر في مسار لبنان والشعب اللبناني التوّاق الى التغيير، استرجاع مشاهد الحرب والرد على الاستفزاز بالتسلح والسلاح وردود الفعل الدموية هو ما يريده حزب الله.
أخطر ما يواجهه حزب الله داخليا هو ثورة سلمية ثقافية فكرية، واسهل ما يواجهه حركات مسلحة تثير الغرائز وتعيد المتاريس الطائفية والمذهبية، انه ملعبه، حذار الانجرار اليه.