انتظرنا هذا اليوم لأسابيع لا بل شهور. توجس منه البعض، تخوف آخرون من تحركات الثورة وراقبت الأجهزة الأمنية وتعاملت مع التسريبات المقصودة عن أماكن التحرك، لكن المواقع التي أراد الثوار التحرك الفعلي عليها بقيت مجهولة وغير معلومة لدى القوى الأمنية وان دل هذا الأمر على شيء يدل على أن مجموعات الثورة غير مخروقة أمنيا.
اختلطت المشاعر بين الاحتجاج والغضب العارم، بين يوم حزن او تأمل، بين يوم غضب و يوم إحياء ذكرى التفجير، لكن الثابت في 4 آب تكريس نوايا مواجهة القوى الأمنية التي تستعملها المنظومة متراس يحول بينها وبين الشعب من جهة، والتحويل الكبير داخل مجموعات الثورة وسقوط مبدأ السلمية في التحركات.
لم يرتبط النهار فقط بالحداد على الضحايا، والمطالبة بالعدالة، وإحياء الروح الثورية، والصراخ بغضبها، وتحطيم كل ما يشبه إلى حد قريب أو بعيد رموز السلطة.
لا يمكن فصل نفس ٤ آب عن الإشكال بين العشائر وحزب الله، كما لا يمكن فصله أيضا عن احتجاز راجمة الصواريخ التابعة للحزب في بلدة جنوبية، البيئة الحاضنة للمقاومة في لبنان تنهار، والمعركة مع الحزب مفتوحة، ان يهتف مئات الآلاف في ٤ آب “إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي” ليست مسألة عابرة، ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” الذهبية للحزب حذف الشعب نفسه منها، سلاح المقاومة ليس فوق الشبهات لا بل حزب الله متهم بتفجير المرفأ، محكمة الشعب اصدرت حكمها.
شعارات تدعو إلى إنهاء “الاحتلال الإيراني” أصابع الاتهام نحو حزب الله الذي اوصل لبنان إلى جهنم.
خاض الثوار معارك على عدة جبهات، مع القوى الأمنية وأنصار القوات اللبنانية شتم جعجع فضربت القوات من شتم حكيمها، سكاكين سلاسل حديدية عصي احجار، أرادت القوات ان تثبت نفسها كجزء من الثورة لكن صورتها تشوهت لا بل تحطمت وكل ما بنته القوات خلال الاشهر السابقة اضاعته بإشكالاتها وضربها لوالد احد ضحايا انفجار المرفأ، اخرج مشهد ٤ آب مجددا القوات من الثورة وأكد ان كلمة المرور الوحيدة “استقالة كتلتها النيابية” قبل البحث في الأمور الأخرى.
القوى الأمنية دفعت بعناصرها بلباس مدني بين الثوار، والهدف تحديد بنك الأهداف الذي سيستهدفه الثوار، انتهت الذبيحة الإلهية وتوجه الثوار إلى مداخل مجلس النواب، حجم الحشد الشعبي اربك القوى الأمنية فإستعملت فورا القنابل المسيلة للدموع من نوع جديد بلا دخان ونووية اكثر قوة، تقهقر الثوار إلى تمثال المغترب، اقتحم بعضهم شركة الكهرباء، والبعض وزارة الاقتصاد، وحطم آخرون مخفر الجميزة، كل المؤشرات تدل بالوقائع الحية ان الثورة أعلنت الطلاق مع الدولة وليس مع السلطة، كل ما يشير إلى وجود دولة هو هدف.
منطق الثوار ليس مبتكرا، بابلو اسكوبار فجّر وقتل عناصر قوى امنية وحطم مؤسسات عامة يوم أراد التفاوض مع السلطة ولم تعره أهمية. الثورة في لبنان لا تريدهم، وإذا كانت مؤسسات الدولة في يدهم فالثورة أيضا لا تريد المؤسسات.
المؤسسات تلك لم تقم يوما بدورها، أليس التقصير في أداء الواجبات ما تسبب بالانفجار؟ ألا يتحمل مجلس النواب والموازنات الشبيهة بورقة اللوتو ما تسبب بالانهيار؟ تتعاطى مؤسسات الدولة مع الأرقام المالية كمن معه ورقة يناصيب لم تصب رقما، الثورة تريد لبنان جديد ولو لزم الأمر إعادة بنائه من الصفر.
والى الاحزاب الـ ٦ الحاكمة التي تمثل المنظومة نقول: لستم في امان لا انتم ولا أولادكم او مؤسساتكم او املاككم، انتم بنك الأهداف كما قال أقارب ضحايا الانفجار.