يطلّ علينا يوميًا أركان المنظومة برواية تحبس أنفاس جماهيرهم لفترة زمنية، وتملأ فراغهم عن أحداث لو استمرت ربما قد تهدد وضعيتهم السياسية وتُضعف مناصريهم لصالح الثورة.

منذ خروج سمير جعجع من السجن وخياره العبور الى الدولة ومواجهة الدويلة، وبعد أحداث الطيونة أطلّ جعجع على قناة “الحرّة”، مؤكدًا أنّ “سياستنا ثابتة ومبنية على مجموعة قناعات ومبادئ وارتكاز فكري وطني بامتياز منذ البدء لغاية هذه اللحظة”. وشرح مفهوم “الحكمة الاستراتيجية السياسية والمبادئ في أوراق اتفاق معراب السرّية منها والمُعلَنة”.

على صعيد آخر، أطل نصرالله بالأمس مُتهجمًا على القوات اللبنانية وطالبًا من المسيحيين نبذ خطاب جعجع، مُفنّدًا مخاطره من وجهة نظره، لكن وفي معرض استعراض العضلات والاستقواء اكد ان لحزبه 100 الف مقاتل، داعيًا جعجع إلى مراجعة حساباته قبل التورط في اقتتال داخلي.

ما غاب عن بال نصرالله أنّ خطاب جعجع ليس ملكه ولم يكن يومًا ملك بشير الجميّل، ولا حتى بيار الجميّل والرئيس كميل شمعون منفردين ولا حتى لاركان الجبهة اللبنانية مجتمعين، فهذا الخطاب رافق المسيحيين منذ نزوح البطريرك الاول يوحنا مارون الى جبة بشري، هذا الخطاب حمى المسيحيين في الشرق الاوسط والدليل ان حضورهم في المنطقة يقتصر على بعض البلدات في سوريا ولبنان بعد ان غادروا العراق وفلسطين وغيرها.

واستقواء نصرالله بـ 100 الف مقاتل لا يبدل في تاريخ المسيحيين العسكري بشيء إطلاقًا، فهم واجهوا المخيّمات الفلسطينية التي كانت قادرة على حشد 100 الف مقاتل، كما واجهوا احزاب الحركة الوطنية من قومي وبعث وشيوعي وناصري واشتراكي ومنظمة العمل الشيوعي وغيرها، اضافة الى المرتزقة العراقيين والليبيين الصوماليين والتي ايضًا كانت تقدّر قدرتها العسكرية بمئة الف، اضافة الى الجيش السوري النظامي الذي قُدّرت أعداده بـ 70 الف، لم تتبدل الافكار السيادية في عمقها رغم أنهار الدماء، لم يحد المسيحيون عن خطابهم ودعوتهم للحياد والسيادة قيد أنملة، ولم يخسر المسيحيون معركتهم الكبرى إلّا يوم  انحازوا إلى قائد من اثنين “حكيم ما بحياتو شاف مريض، أو مريض مش مسترجي يشوف حكيم”، انهارت التضحيات وسقطت القيم ودخل السوري فارضًا امرًا واقعًا ما زالت تردداته تدفع حتى اليوم.

في الخلاصة لا جعجع قادر منفردًا على قيادة معركة مواجهة مع حزب الله، ولا لحزب الله رغم جبروته النية لاستعمال وزج ميليشياته في قتال شوارع، لأن هذا يعني نهايته الحتمية.

في العمق ابحثوا عن سبب واقعي لما يجري، فلا نصرالله يريد إلباس جعجع عباءة قيادة المسيحيين، ولو نجح في إلباسه منفردا حادثة اطلاق انار في الطيونة. لمصلحة من سقطت كل الدماء؟ وخدمة لمن؟ وحقيقة هل فعلا يملك جعجع الجرأة للعبث بالسلم الاهلي؟ وهو من تجرّع من تفجير كنيسة سيدة النجاة كؤوسًا لا كأسًا واحدة؟!