يعجّ لبنان بالشعارات الرنّانة في الآونة الأخيرة مع اقتراب موعِد الانتخابات النيابية، منها سيادية ومنها إصلاحية، وقلة مِمّن لا يُفرّقون بينهما، وبمعزلٍ عن إجراء العملية الديمقراطية أو تطييرها، الرؤية انقشعت والعمل جارٍ على قدمٍ وساق بمنطِق أن المرحلة الحالية باتت مرحلة انتقالية، فالمشهد السياسي التقليدي إلى تغيُّرٍ خاصّةً بعد تجربة “العهد القوي” و”التمثيل الأقوى” وبرهنت التسويات فشلها الذريع بقيادة البلاد والسّهر على تطبيق الدستور مِن قِبل أزلام سُلطةٍ لا نيّة لديهم بالحكم ولا خُطّة لديهم للإصلاح؛ والسّيادة حدّث ولا حرج!

السيادة والإصلاح

السيادة في المبدأ العام هي الحق الكامل للهيئة الحاكمة وسلطتها على نفسها، دون أي تدخل من جهات أو هيئات خارجية، وهي مُستباحة في لبنان وغير مُطبّقة بحيث يُحكم حزب الله بقوّة سلاحه على مفاصل الجمهورية اللبنانية ومؤسّساتها، ورغم إنشائه جيشاً موازياً يأتمر من الجمهورية الإسلامية في إيران “مُفاخراً” بفعلته، يُقرّر السياسة الخارجية من دون العودة إلى كافّة مكوّنات المُجتمع اللبناني، فتارةً يُقرّر السياسة الخارجية وطوراً يُعطّل الحكومات لتمرير صفقاته بالتعاون مع مافيا الأحزاب الشريكة في “التسلُّط”، فيما يُهدّد القضاء متى يشاء.

أمّا في الإصلاح فالنّية بالتطبيق أولاً هي أمر مُهمّ جدّاً بمعزل عن المشروع الذي هو اهم بطبيعة الحال، فالتجربة اللبنانية غنيّة بالقصائد الإنتخابية، ومشاريع الـutopia، فيما الواقع يشهد العكس، على سبيل المثال “الكهرباء 24/24 منذ العام 2015” باتت ساعة تغذية يتيمة يومياً في عامنا الحالي. وفي سياقٍ مُتّصل قلة جمعت بين المبدأين في ممارستهم السياسية ومشروعهم الإنتخابي، بعكس العديد الذي انغمس بتسوياتٍ آنية مُتناسياً مُشكلة السلاح تحت حجّة “القوّة والتمثيل الواسع”، وغدت البلاد رهينة منظومة “مافيا-ميليشيا” يضيع الإصلاح فيها كما يُهمّش الدستور وتُعطّل المؤسسات بسبب غياب سيادة الدّولة على أراضيها “بفضل” هيمنة السلاح.

الحياد

الحياد يحمي الدّول من تموضع المعسكرات السياسية إن كان على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وهو ساري المفعول في النزاعات السياسية والعسكرية أيضاً، وكون لبنان وطن صغير جُغرافياً، وموقعه على الخريطة استراتيجي ما بين الشرق والغرب، فلا مصلحة لديه بالتموضع مع محورٍ ضدّ آخر، لا بل النأي بالنفس عن النزاعات الدائرة من حوله تُعزّز موقعه السياسي والريادي في الشرق الأوسط والعالم، بذلك يتوقّف التدخّل الخارجي في السياسات المحلّية ويُجنّب البلاد صراعاتٍ أهلية وإنقاساماتٍ عمودية داخل مكوّنات المُجتمع اللبنانية، واعتماد هذا المبدأ يُعزّز الإنصهار الوطني والقناعة بالعمل من أجلِ وطنٍ واحد، وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع ابنائه، واحد ارضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً.

السلام

منذ نشأة دولة لبنان الكبير، لم ينعم بلد الـ10452 بفتراتٍ هادئة على الصعيد العسكري ولا حتّى السياسي، فالحرب العالمية الثانية أثّرت عليه بشكلٍ أو بآخر، الحرب الباردة من بعدها، الصراعات “العربية-الإسرائيلية”، إلى الإحتلال السوري ونظيره الإيراني وذلك نتيجة غياب الإرادة الوطنية الجامعة لنقل الدّولة من مُعسكر الحرب إلى “نَعيم” السلام. في معنىً آخر، تلتزم الجمهورية اللبنانية بالمبادرة العربية للسلام أو ما يُسمّى إعلان بيروت في العام 2002 والذي على أساسه يُربط النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بـ”حلّ الدّولتين” أي أن الحرب وحشد الجيوش لم يَعُد ذو قيمة في منطقةٍ دَفعت ثمن القتل “مئات الآلاف” من الضحايا، الجرحى، الأسرى، المشرّدين والمعوّقين، من هنا نستنتج أن ميعاد “السلام” قد حان، ولو استلزم بعض الوقت، وقد يعتبر البعض مرحلة التطبيع بين بعض الدول العربية والعدو الاسرائيلي بداية انطلاق لذلك المسار المتعرج غير واضح المعالم، لكن الجميع يجمع ان الحروب والقتل والصراعات الدموية لم تعد ذات اهمية في عالم سقطت فيه  كل الحدود بين الدول وبات الصراع بالسيطرة على الفضاء سواء المحلي اي السيادة الجوية التي تخرق من خلال الاقمار الاصطناعية، او السيادة والتمدد والانفلاش والسيطرة على الفضاء الخارجي.

من هنا، السيادة والإصلاح مبدأان لا ينفصلان، ووجهان لعملةٍ واحدة، لأن لا إصلاح من دون سيادة، ولا سيادة دون إصلاح عقليّة التخلّف عن القيام بالمهام المنشودة ولو بحدّها الأدنى لتكريس العيش الكريم والحفاظ على حقوق الإنسان، لذلك الحياد ضروري لتجنيب البلاد أيّة صراعات دائرة أو مُحتملة، والسّلام بات ضرورةً مُلحّة في القرن الـ21 حيث من المُفترض أن يكون العلم والعدل هو الحكم الأساس، عوضاً عن القذائف والرصاص.. فهل من يجرؤ؟

 

شربل دياب