لم تكن تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون بريئة حول الاستحقاق الرئاسي المقبل. فُهم منها رسائل مشفّرة على أكثر من صعيد. ورغم حسمه أنه لن يبقى بعد انتهاء ولايته، الا ان قوله أنه سيبقى اذا طلب مجلس النواب ذلك يستدعي التوقف عنده والبحث في امكانية تطبيقه سياسياً ودستورياً.
اختيار مجلس النواب التمديد لرئيس الجمهورية يعني أن الانتخابات النيابية لم تحصل وقد مدّد المجلس لنفسه كما حصل في السابق، فمع انتخاب برلمان جديد تنتفي أي اسباب منطقية لطرح فكرة التمديد للرئيس.
يبلغ عدد نواب مجلس النيابي الحالي ١١٦ نائباً، بعد وفاة ٤ نواب واستقالة ٨. السؤال الذي يطرح نفسه ما الاكثرية المطلوبة في المجلس النيابي الحالي للتمديد لرئيس الجمهورية؟ لا سيما بعد الخلاف حول كيفية احتساب عدد النواب والاكثرية في الجلسة النيابية الاخيرة واقرار تعديلات قانون الانتخاب بـ ٥٩ نائباً.
المادة 79
المادة 79 من الدستور واضحة لناحية تحديد النصاب لاي تعديل دستوري وهو أكثرية ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً والتصويت يتم بالأكثرية عينها، رغم ان الممارسة جرت بأن يتم احتساب النصاب على أساس عدد الأعضاء الأحياء لا عدد المقاعد، حيث ان الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً هم الحاضرون المتغيبون عن الجلسة ومن دون احتساب المستقيلين أو المتوفين.
في 29 أيار 1980 اتخذت الهيئة العامة لمجلس النواب قراراً حسمت فيه مسألة احتساب نصاب المجلس النيابي الذي كان قد فقد خمسة نواب، وأصبح عدد أعضائه 94 نائباً بعد أن كان مؤلفاً من 99 نائباً، فاستندت اللجان المشتركة آنذاك الى رأي للعالم الدستوري الفرنسي جورج فيديل الذي فسرّ المادة 57 من الدستور ”الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً“، فكان قرار المجلس حينذاك لتبرير النقص في أعضاء المجلس، احتساب الأكثرية عبر احتساب عدد النواب الأحياء الحاضرين والمتغيبين من دون المتوفّين. وبما أن عدد أعضاء المجلس النيابي الحالي هو ١١٦ نائباً، فإذا اعتمدنا الممارسة السابقة، يكون الثلثان من مجموع أعضاء المجلس هو ٧٧ نائباً كحدٍ أدنى والتصويت يكون بالغالبية عينها وهذه الأكثرية تختلف عن تلك التي تمّ اعتمادها أخيرا خلال التصويت على تعديلات قانون الانتخابات، فتعديل القانون يحتاج الى أكثرية مطلقة أي نصف زائد واحد أي في حالة ال ١١٦ نائباً تكون هذه الأغلبية هي ٥٩ نائباً في الممارسة المعتمدة، أما تعديل الدستور فيحتاج الى أكثرية الثلثين وهي أكثرية أهم وأكبر نظراً لتناولها الدستور.
وبناء عليه، وبالعودة الى اصطفافات الكتل النيابية في مجلس الحالي، فان امكانية تأمين ٧٧ نائباً لتوفير النصاب اولاً والتصويت على التعديل الدستوري بالتمديد لعون بالغة الصعوبة، والأصوات المضمونة تكاد تكون فقط نواب تكتل لبنان القوي وقد خسر ٥ نواب وتراجع الى ٢٤ نائباً، وكتلة الوفاء للمقاومة ويبلغ عددها ١٣ نائباً، ليصبح المجموع ٣٧ نائباً. في حين أن الأصوات المحسومة سلفاً ضد التمديد بحكم موقفها المعلن اقله حتى الساعة، كتلة المستقبل (١٨ نائباً) التنمية والتحرير (١٧ نائباً) الجمهورية القوية (١٣ نائباً) اللقاء الديمقراطي (٧ نواب) التكتل الوطني (٥) والنواب المستقلين تمام سلام، فؤاد مخزومي، أسامة سعد، ميشال ضاهر، شامل روكز، نهاد المشنوق، قيصر المعلوف، جان طالوزيان وايلي الفرزلي. ليبلغ العدد ٦٩ نائباً. وتبقى كتلة الوسط المستقل (٣ نواب) والكتلة القومية (٣) والنواب المستقلون ادي دمرجيان وجميل السيد وعدنان طرابلسي وعبد الرحيم مراد الذين لا يمكن حسم موقفهم من الان، ولكن حتى لو صوّتوا لصالح التمديد لا يمكن ان يؤمنوا مع تكتل لبنان القوي والوفاء للمقاومة نصاب الثلثين.
طرق دستورية جديدة؟
هل من طرق دستورية أخرى تسمح لرئيس الجمهورية بالبقاء بسدة الرئاسة غير التعديل الدستوري والتمديد في مجلس النواب؟ لا يوجد في الدستور اللبناني أي نصّ صريح يُجيز بقاء رئيس الجمهورية في سدّة الرئاسة بعد انتهاء ولايته، إلا أن المادة 62 من الدستور ارتقبت هذه الحالة بأن أولت مجلس الوزراء صلاحيات الرئيس وكالة عند شغور سدة الرئاسة، كما أن الاستثناء الوحيد لعدم تركه سدّة الرئاسة هو صدور قانون من مجلس النواب بتمديد ولاية رئيس الجمهورية من دون أن يتعرّض البطلان أمام المجلس الدستوري.
النصوص والتفسيرات واضحة لناحية انتقال الصلاحيات عند شغور الموقع الرئاسي وخصوصاً في الدستور، وذلك بطريقة تؤمن الانتظام الدستوري وعدم الوقوع في الفراغ، هذا في المبدأ والأصول الدستورية.
المادة 49
الحالة التي يجوز فيها التمديد لرئيس الجمهورية في مجلس النواب، عرّفت المادة 49 من الدستور رئيس الجمهورية على أنه ”رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور“. رغم الطابع الرمزي لهذا التعريف، إلا أن رئيس الجمهورية يتمتع بمكانة رئيسية في النظام السياسي اللبناني فإضافةً إلى كونه على رأس الدولة لكنه كذلك يمثل طائفة أساسية في لبنان، ما يمنحه موقعاً سياسيًا متقدماً.
المادة 49 نصّت على ولاية رئيس الجمهورية حيث جاء فيها: ”وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح“. كما ان المادة 49 منعت التمديد لرئيس الجمهورية من هنا اي طرح للتمديد أو التجديد يتطلب تعديلاً للمادة، الا أنه سبق أن عشنا حالات عدة لتعديل المادة 49 من الدستور، فبتاريخ 29 كانون الثاني 1995 جرى تعديل هذه المادة لتمديد ولاية الرئيس الراحل إلياس الهراوي التي كانت تنتهي في العام 1995، وتم التمديد له لمدّة ثلاث سنوات أي حتى العام 1998، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس إميل لحود فبتاريخ 3 تشرين الأول 2004 جرى تمديد ولاية الرئيس إميل لحود لثلاث سنوات أيضاً.
في كل ولاية رئاسية يطرح موضوع التمديد الرئاسي، فلا يمرّ يوم إلا ويطرح الأمر كخيار لمنع الفراغ، تجنبا لما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، حيث استمرّ الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين حتى انتخاب الرئيس العماد ميشال عون. فهل سيتكرر سيناريو الفراغ هذه المرة ايضاً؟