هل ترغب المنظومة فعلاً في إجراء الانتخابات النيابية، أم تبحث عن مبررات لإرجائها او الغائها بعد ان تتملص من أي مسؤولية أمام المجتمع الدولي.

المعادلة واضحة، منظومة السلطة توافق على الانتخابات إذا اطمأنت إلى فوزها واحتفاظها بالسلطة لسنوات عديدة. إذا كانت شكوك الفوز حقيقية ستطلق المنظومة سيناريو تطيير الانتخابات بأي وسيلة كانت، حتى ولو لم يعجب ذلك المجتمع الدولي.

في الشكل، تظهر الصورة مصالح متناقضة داخل مكونات السلطة. فالثنائي الشيعي مرتاح إجمالاً، فيما التيار الوطني الحر خائف من تقلص حجم كتلته النيابية، خصوصا ان عينه على استحقاق الانتخابات الرئاسية. خسارته الانتخابات النيابية تعني خسارة السباق الرئاسي قبل ان يبدأ. لذلك يستخدم فريق الرئيس ميشال عون كل ما يملك من أوراق في الأشهر الأخيرة من العهد، بما فيها تلك التي تشكّل استفزازاً للحليف الشيعي، ولا سيما منها المفاوضات حول الحدود البحرية والتقرب من الأميركيين. كما يستغل دور القاضية غادة عون في إزعاج الخصوم وإرباكهم بالملفات.

 

في النهاية، عون يبحث عن مقايضة جديدة. فهو جاء إلى لبنان تحت جناح تطبيق القرار 1559 لكنه انقلب عليه وأبرم تفاهماً مع حزب الله. خاض الانتخابات تحت عنوان الإبراء المستحيل وفساد الحريرية السياسية لكنه ايضا عقد صفقة سلطوية معهم دامت طويلاً.

اليوم من المرجح ان يتراجع في أي لحظة التيار عن تكبير الحجر، وبالتالي يوافق على أي صفقة تضمن له البقاء في بعبدا، إما بالتمديد وإما بانتخاب النائب جبران باسيل رئيسا. يدرك حزب الله أن خسارة عون مسيحياً سيستغلها خصوم الحزب خصوصا جبهة المعارضة وقوى التغيير.

على صعيد آخر تتجه البيئة السنية الى المجهول، بعد خروج الرئيس سعد الحريري من الساحة السياسية، سيصعب على الحزب الإمساك بالطائفة السنية ومن المرجح ان تنحاز تلك البيئة ضد سلاح المقاومة وتتقرب اكثر واكثر من المجموعات التغييرية التي وحدها تحمل مشروعا سياسيا ضد حزب الله خصوصا بعد خيبة الامل التي تسببت بها خيارات سمير جعجع في التسوية الرئاسية. سيجد حزب الله نفسه بما لا يقبل الشك امام خيار الموافقة على تأجيل الانتخابات اقله لعام، لتطويق التبدلات الطارئة على البيئتين السنية والمسيحية، وعمق تأثيرها على الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الانتخابات النيابية في مخاض عنيف، يبدأ بصفيحة البنزين والاصطفاف في الطوابير، ولا ينتهي على طاولة المفاوضات في فيينا وصناع القرار في واشنطن وطهران، ولا ننسى بطبيعة الحال الحاجة الماسة وازدياد الطلب على العناصر الاساسية والضرورية للبقاء على قيد الحياة في حين تتضاءل الموارد يوميا.