على وقع ارتفاع منسوب الحماوة الانتخابية، واستعداد القوى والأحزاب لإنجاز التحالفات وتشكيل اللوائح، يبرز اهتمام بمرحلة ما بعد الاستحقاق النيابي. فالقوى تجري حساباتها لمرحلة ما بعد الانتخابات، وتحديدًا موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وانتخاب رئيس جديد.

ولا تزال الانتخابات تحتاج إلى بعض المستلزمات اللوجستية والمالية، بغض النظر عن الخلاف حول الميغاسنتر وعدم القدرة على اعتماده حاليًا، لأن الوقت لم يعد كافيًا. وهناك مشكلة مالية تتعلق بانتخاب المغتربين، ونقل أصواتهم إلى لبنان لفرزها. وهي عملية تحتاج إلى 156 ألف دولار أميركي، حسب أحد المسؤولين المعنيين بالانتخابات. وهناك بحث عن دعم دولي لتوفير هذا المبلغ. وبمعزل عن هذه التفاصيل، فالانتخابات حاصلة في موعدها، ما لم تحصل تطورات دراماتيكية تستدعي تأجيلها.

حزب الله يتقدم
وفي المعطيات الانتخابية، يتقدّم حزب الله على خصومه جميعًا حتى الآن. فهو سارع إلى الإعلان عن مرشحيه، وأطلق ماكيناته الانتخابية، ويليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الأيام المقبلة، وكذلك التيار العوني.

ونجح حزب الله في توفير مقومات التحالف بين حلفائه المختلفين، سواء بجمعهم على لوائح واحدة، أو بتشكيل لائحتين حيث تقتضي المصلحة، كما في بيروت الثانية وصيدا وجزين وبعبدا.

ويشير المسار الانتخابي إلى أن الأمور تصب في صالح حزب الله، فيحتفظ بالأكثرية، ما لم يتمكن خصومه من بلورة تحالف واسع قادر على مواجهته انتخابيًا. فهو بترشيحه لائحتين في بيروت الثانية -أولى تضمه وحركة أمل والتيار العوني، وثانية لجمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش)- يتمكن من الحصول على نائبين شيعيين، ونائب مسيحي، ومقعدين سنيين للأحباش. وبما أنا فؤاد مخزومي مرشح يحصل على حاصل بالحدّ الأدنى، تنحصر المعركة على نائبين سنيين والنائب الدرزي.

إنها الهزيمة الكبرى لخصوم حزب الله في بيروت، إلا في حال التقاء سياسي بين مجموعة من الشخصيات السياسية لخوض الانتخابات بشخصية قادرة على تشكيل فارق نوعي في المعادلة، وإحداث صدمة إيجابية تحفز الناس على المشاركة، وتستنهض المحبطين. وهذه الشخصية تتمثل بنواف سلام، وفق مصادر عدة. فهو يمثل عنصرًا بيروتيًا جديدًا، ويمكنه إحداث فرق كبير.

الرئاسة وترسيم الحدود
وتظل القوى السياسية تبحث عن مرحلة ما بعد الانتخابات: انتخابات رئاسية تمرّ في تطورات مهمة، أولها الاتفاق النووي بين إيران والغرب، واستئناف الحوار السعودي الإيراني للوصول إلى تسوية ما. إضافة إلى تطورات الحرب في أوكرانيا وانعكاسها على الداخل اللبناني.

وهذه كلها ترتبط بترسيم الحدود الذي بدأ المسؤولون اللبنانيون يبحثون عن ردّ رسمي موحد على الرسالة آموس هوكشتاين. وهنا يُطرح سؤالان: هل يمكن أن يمر الترسيم بناء على تسوية داخلية فقط، بمعزل عن التطورات الإقليمية؟ أم الاتفاق الإقليمي هو الذي يؤدي إلى تمريره، والشروع في عمليات التنقيب عن النفط؟

غالبية الآراء تذهب إلى الخيار الثاني: ارتباط موقف حزب الله بإيران. فيما يعتبر جبران باسيل أنه بدأ يمتلك أوراق قوة، بناءً على إعادة وصل علاقته المقطوعة بالأميركيين.

نصرالله والجيش والرئاسة
لكن هذا يؤدي إلى المزيد من الصراعات بين التيار العوني والقوات اللبنانية، وبين التيار وسليمان فرنجية، وكذلك تزداد الحملات على أي مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. وتقول مصادر متابعة إن موقف أمين عام حزب الله حسن نصر الله من قائد الجيش -عندما هاجمه بسبب استمرار الأميركيين في التنسيق معه وترددهم الدائم إلى وزارة الدفاع- يحمل رسالة أساسية: لا يمكن للأميركيين وحدهم اختيار رئيس الجمهورية في لبنان، وحزب الله صاحب قرار وتأثير أساسيين في هذا الاختيار.

ولذلك استعاد نصر الله الالتزام بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، قائلًا: لا يمكن قسر مصادر دعم الجيش على جانب واحد، بل يجب تعددها. وهذه رسالة إيجابية للجيش، تتعلق باستمرار التنسيق في المرحلة المقبلة، ربطًا بالتطورات الإقليمية والدولية والداخلية.

وعمليًا نجح قائد الجيش في إخراج نفسه من التجاذبات، وكان آخرها محاولات استهدافه في ترسيم الحدود: إما في محاولة إحراجه مع الأميركيين وحشره لرفع السقف إلى أقصى درجة ممكنة. وإما باتهامه بالتنازل، في حال تقديم تنازل عن الخطّ 29. وتمكن قائد الجيش من الخروج من دائرة الاتهام هذه، وأعلن وقوفه خلف ما تقرره السلطة السياسية.

والترسيم لن يكون بته في يد طرف لبناني واحد. وهذا ما يجمع عليه حزب الله والمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يشدد على أنه يريد اتفاق دولة، وليس مع جهة سياسية. ويريد ضمانة إقرار مشروع الترسيم بعد انجازه في مجلسي النواب والوزراء.

منير الربيع موقع المدن