منذ بداية الأزمة الماليّة اللبنانيّة، واظب قسم الأبحاث الدوليّة في بنك أوف أميركا على متابعة تطوّرات الأزمة اللبنانية رابطًا خروج لبنان منها بنتائج محادثاته مع صندوق النقد الدولي، وقدرته على تطبيق البرنامج الإصلاحي الذي يطلبه الصندوق.
ويعول البنك على التغيير في الانتخابات النيابية للوصول الى تفاهم مع صندوق النقد الدولي لان بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي الى استمرار الطبقة السياسية بتجنّب توقيع الاتفاق مع صندوق النقد، لتفادي إجراء الإصلاحات.
من المتوقّع أن تشهد البلاد المزيد من التدهور في سعر الصرف بعد الانتخابات، مع إنكماش اقتصادي إضافي في النصف الثاني من العام 2022.
ويعتبر بنك اوف اميركا أن البلاد لم تشهد حتّى اللحظة أدنى مستوياتها في ما يخص الوضعين المالي والاقتصادي، وأن وصول البلاد إلى هذا المستوى في حال عدم توقيع الاتفاق مع الصندوق “سيؤدّي إلى عقد ضائع من حياة اللبنانيين” والمقصود هنا ان 10 سنوات من حياتنا ستضيع بفضل مغامرات طبقة سياسية غير مسؤولة.
وحسب هذا السيناريو، سيؤدّي تحويل الودائع بالعملات الصعبة إلى الليرة اللبنانيّة إلى ارتفاع في الكتلة النقديّة المتداولة بالعملة المحليّة، وعلى مدى سنوات طويلة، وهو ما سيؤدّي إلى تدهور طويل الأمد في قيمة الليرة اللبنانيّة. وهذا الوضع، لن يكون مستدامًا بل سيؤدّي إلى انفجار اجتماعي غير مسبوق. مع الإشارة إلى أن المصرف يتوقّع أن يستغرق سداد الودائع بالليرة اللبنانيّة فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات، إذا ما أخذنا بالاعتبار متوسّط السحوبات من الودائع بالعملة الأجنبيّة بين تشرين الأوّل 2019 وكانون الأوّل 2021، والذي بلغ حدود 0.8 مليار دولار شهريّا.
يطرح تقرير بنك أوف أميركا علامات استفهام جديّة بخصوص قدرة الطبقة السياسيّة الحاليّة على تطبيق متطلّبات برامج صندوق النقد الدولي. وفي ما يخص مهمّة بعثة صندوق النقد الحاليّة في لبنان، يعتبر التقرير أن سيناريو حصول اتفاق مبدئي ما بين لبنان والصندوق قبل الانتخابات ممكن من الناحية النظريّة، لكن مراجعة تجارب الصندوق في الدول الناشئة تكشف صعوبة حصول هذا السيناريو من الناحية العمليّة، إلا إذا تمكّن الصندوق من انتزاع ضمانات من السلطة السياسيّة بالتزامها تطبيق الإصلاحات المطلوبة بعد الانتخابات.
في المحصلة، ما يمكن استخلاصه من التقرير هو أن مستقبل البلاد مرهون بإمكانيّة حصول تحوّلات في التوازات القائمة داخل السلطة السياسيّة، بما يسمح بحصول تغيّرات على مستوى الأداء المالي والاقتصادي للدولة اللبنانيّة. وهذه المسألة بالتحديد، ستحدد مستقبل مسار التفاهم مع صندوق النقد في نهاية الأمر.