احببت ام امتعضت، وافقت ام عارضت، تقبلت ام رفضت، تبقى البطريركية المارونية ضمير لبنان الحي في كل العهود، وتبقى الصوت الصارخ لانتظام الامور مهما كانت الظروف.

شكل البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير مع متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده ثنائيا سياديا من الطراز الرفيع جدا في فترة الوصاية السورية على لبنان، فكانت قرنة شهوان وكانت عظات المطران الاسبوعية مسامير في نعش كل سياسي غير سيادي استعبد البلاد والعباد.

البطريرك الراعي اليوم ينتهج نفس اسلوب سلفه الا يكفي في عظاته ان يطلب من الشعب اللبناني الاقتراع “للهوية”؟ نعم تستشعر بكركي المخطط الرامي الى استبدال هوية لبنان وتطلب من كل اللبنانيين ان يقترعوا يوم الانتخابات الى الهوية التي يريدونها للبنان، قد تكون طلبات البطريرك الراعي نابعة من الانجيل المقدس “فليكن كلامكم نعم نعم او لا لا”، ويلاقيه ايضا المطران عودة  في عظته “على شعبنا ألا يَهاب الترهيب والتهديد، وأن يسعى إلى إنقاذ ما تبقى من فتات بلد وأشلاء عائلات، علّهم يكونون البقية الباقية التي تضمن قيام الوطن من جحيمه”، ويتابع “في السنتين الماضيتين عبر المواطنون عن استيائهم وغضبهم، والآن جاء وقت الامتحان، فهل سيترجمون غضبهم في صناديق الاقتراع؟ وهل سيحاسبون من فجّر مدينتنهم وعرقل التحقيق؟ ومن بذّر أموالهم وقضى على أحلامهم؟”

ثنائي جديد يحمل صليبه ويمشي بين الفاسدين والمفسدين يعرج على الحدود الخارجة من كل رقابة، يراقب التهريب عبرها، ويرصد احصنة طروادة داخل المذاهب المسيحية، الراعي المرجعية المارونية الاعلى في العالم حدد بدوره عنوان المرحلة المقبلة وتحدياتها متوجها الى الشعب قائلا: “فيما يقترب موعد الانتخابات النيابية، ندعو الشعب إلى انتخاب ما يلبّي حاجته إلى مجلسٍ جديدٍ يكون على مستوى التحدّياتِ التي تَنتظره، وفي مقدّمتها انتخابُ رئيسٍ جديد للجمهورية في موعده الدستوري. فيعمل على تحديثِ علاقاتِ المكونّاتِ الميثاقيّةِ في ظل دولة قادرةٍ على استيعاب التعدّديّةِ واحتضانِ الجميع في نظامٍ لامركزيٍّ موسّع. ويعمل ساعيًا على أن يتوحّد الولاءُ، ويُلتزَم بالحيادِ، وتُطوى جميعُ المشاريعِ الدخيلةِ على وطنِنا ومجتمعِنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، ويَنظر الأفرقاءُ إلى بعضِهم البعضِ كشركاء وأخوة، لا كأعداء وإقصائيين. ويصبّ الرئيس الجديد قواه على تعزيزِ استقلالِ لبنان وسيادتِه وهُويّتِه الأصيلةِ من خلالِ شرعيّةٍ ملتزِمةٍ بالدستورِ والميثاق. وانطلاقًا من هذا الوعي، يكون واجبُ المواطنين أن يختاروا من يَروْنَ فيهم القدرةَ الوطنيّةَ والمعرِفيّةَ، ومَن يَثبُتون على مواقِفِهم اللبنانيّةِ فلا يتلوّنون ولا يخافون ولا يُساوِمون ولا يقايِضون على الثوابتِ من أجل بلوغِ المناصب”.

وان كان البعض لا يحبذ انغماس رجال الدين في السياسة عليهم اولا ان يرفضوا ان يترأس حزب الله شيخ معمم، وعليهم ايضا ان يطالبوا بقانون جديد للاحزاب بحيث تخرج الاحزاب من قوقعتها المذهبية، ولكن وحتى تطبيق هذه الشروط وسواها عليهم ان يتقبلوا التوازن في الصراع السياسي المفتوح في لبنان.

اذا كان حزب الله قد وضع خلفه كل المؤسسات الدينية التابعة للطائفة الشيعية من المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الى عدد من المفتين وعلى رأسهم المفتي الجعفري الناطق الرسمي بإسم الممانعة في لبنان عليكم ان تتحضروا الى عودة التوازن، خصوصا حين يطلق حزب الله معركة السيطرة كليا على الميثاقية في البلد.

بعد 7 ايار كرس حزب الله مبدأ الميثاقية وبات كل قرار مرتبط بشكل مباشر بموقف الثنائي الشيعي منه، وبما ان لبنان لا يحكم الا بالتوافق، قرر حزب الله التوافق مع نفسه ليحكمنا. فأطلق عملية اقصاء وليد جنبلاط عن الاكثرية الدرزية ليصبح بيده 3 ميثاقيات، الاولى شيعية والثانية مسيحية والثالثة درزية وخروج سعد الحريري من المعادلة السياسية قد يمكنه ايضا من السيطرة على الميثاقية السنية، فيصبح عندها حزب الله الحاكم بأمره وتصبح معه ولاية الفقية على قاب قوسين او ادنى من تطبيقها وتصبح كل المكونات المذهبية غير الشيعية بحكم الرهينة الوطنية بيد الحاكم الميثاقي الذي يتحكم بكل تفاضيل حياتنا، فتعود عندها قوافل “ماركو بولو” تجوب العالم الشرقي.