بات واضحا أن البلاد دخلت مرحلة انتظار ثقيل مرتبط، كما يبدو، بجملة التطورات الحاصلة في المنطقة وبنتائج استحقاقات في دول فاعلة ومؤثرة على الساحة اللبنانية، ستترك بالتأكيد بصماتها على مسار الأحداث في الداخل.
هذه الساحة التي تنوء تحت وطأة ملفات ضاغطة تبدأ بمعضلة تأليف الحكومة وتمر بالترسيم ولا تنتهي بالاستحقاق الرئاسي، لا تزال ملامح الحلول والتوجهات الواضحة التي تؤشر إلى مسارها مستقبلا ضبابية، وظروف انتاجها غير ناضجة بعد.
وفي وقت يدعو الجميع في الداخل والخارج إلى إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية، وتجنب الفراغ مرة جديدة على مستوى الرئاسة، ثمة مؤشرات تشي بعكس ذلك. فالاشكالات في موضوع النصاب والغالبية باتت خارج السجالات ومحسومة. ذلك أن نصاب الحضور الثابت لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية هو 86 نائبا تحت كل الظروف ومهما يكن.، وأن الغالبية المطلوبة للفوز في الدورة الأولى هي 86 صوتا، وفي الدورات اللاحقة 65 صوتا.
وفي طليعة هذه المؤشرات أن حماس رئيس المجلس النيابي نبيه بري للدعوة إلى جلسة نيابية لانتخاب الرئيس العتيد مطلع أيلول المقبل قد خف، وهو يتجه إلى الدعوة في الأسبوع الأخير من المهلة قبل الأيام العشرة الأخيرة التي ينعقد فيها المجلس حكما من دون دعوة من رئيسه.
فرئيس المجلس الذي ربط الدعوة إلى الانتخاب بتنفيذ الإصلاحات، أراد إفهام الجميع، أن التوافق أو التفاهم المباشر أو “تحت الطاولة” بين الأفرقاء السياسيين، لا سيما منهم أبناء الصف الواحد، لم يتأمن بعد، وأن دوائر “صنع الرئيس” في الخارج لا تزال تغربل الأسماء المطروحة في البورصة الرئاسية تبعا للمواصفات التي حددتها المرجعيات الدينية بشكل أساسي ، والتي تتماهى مع توجهات القوى السياسية الاساسية في الداخل. فهذه الأخيرة باتت تدرك، من غير أن تعلن ذلك جهارا، أن تكرار تجربة التحدي والضغط لايصال هذا المرشح أو ذاك لم يعد جائزا ولا مقبولا في الداخل والخارج.
ذلك أن قوى الثامن من آذار لم تحسم بعد- وهي لا تريد كما يبدو- قضية مرشح واحد منها فيما تبدو المعارضة مشتتة ولا شيء يشير لغاية الآن إلى إمكان تفاهم على مرشح واحد يمكن تأمين الغالبية المطلوبة حوله حضورا ونصابا قانونيا.
وحيال ذلك، وفي موازاة مروحة أسماء مطروحة، في طليعتها ناجي البستاني، جهاد أزعور، زياد بارود، كميل أبو سليمان، سمير عساف، سليم إده، إضافة إلى جبران باسيل وسليمان فرنجية، يبدأ الكلام عن حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون بعد انتهاء المهلة الدستورية التي تسقط معها كل المهل وتنتفي الحاجة إلى تعديل الدستور غير المقبول من جميع اللبنانيين، خصوصا أن هناك كلاما ديبلوماسيا قريبا وبعيدا عن أهمية بقاء العماد عون في موقعه والارتياح إلى أدائه في خلال فترة توليه القيادة وكذلك في المرحلة المقبلة.
وفي اللائحة أيضا يشير أكثر من مسؤول سياسي وحزبي وأمني إلى عدم إسقاط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من الحساب الرئاسي، وأن انتخابه رهن توافق وتفاهم عربي-دولي تحدده ملامح مسار الأمور في المنطقة بدءا من مفاوضات النووي مرورا بأوضاع العراق وسوريا واليمن وصولا إلى الترسيم وأهمية تأمين الطاقة لأوروبا قبل الشتاء المقبل.
وعلى خط مواز، وبعد بروز دلائل تفاهم “خارجي” على رئيس تفاهمي تكشف المعلومات أن الفرنسيين يحاولون تسويق فكرة رئيس اقتصادي – مالي على اعتبار أن المرحلة المقبلة اقتصادية بامتياز تستوجب نهوضا اقتصاديا شاملا. وهذا الأمر يستطيع تأمين المناخات اللازمة له رئيس تفاهمي له اتصالاته واحترامه لدى جميع القيادات. وهذه الشخصية لا يمكن انتاجها إلا عبر “دوحة 2”. ولكنها “دوحة” لاختيار شخص الرئيس فقط من دون سلة تفاهمات تتناول الحكومة وتوزيع الحقائب كما حصل في “الدوحة” الأولى.
أديب أبي عقل