يحتكم لبنان إلى لعبة الانتظار. يجيد اللبنانيون إضاعة الفرص وإهدار الوقت. لا أحد منهم يمتلك قدرة على المبادرة. وإذا توفرت لا تتوفر فيها ظروف النجاح، إلا بالرهان على انتظار عوامل خارجية تصب في صالحها وخدمتها. لذا لا شيء قابل للحسم في لبنان. ولا رؤية واضحة لمسار الأمور، قبل اتضاح الصورة الخارجية.

انتظار ما تؤول إليه مفاوضات فيينا ومفاوضات ترسيم الحدود، ليبدأ البحث في استحقاقات أخرى، أبرزها تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
تبدو القوى الإقليمية والدولية منهمكة بملفاتها المتقدمة بأشواط على الملف اللبناني. لا أحد يلحظ موقع لبنان في المعادلة الكبرى. حتى أن دبلوماسيين كثيرين أبلغوا اللبنانيين أن لا أحد متفرغ للشأن اللبناني، والتطورات الدولية شغلت من كان مهتمًا به في الأساس. أما اللبنانيون فأعجز من الإقدام على اجتراح أي تسوية أو صيغة توفر ظروف الحدّ الأدنى من وقف الانهيار.

حتى الآن لا حراك خارجيًا لمقاربة الوضع في لبنان. لا مؤشرات لتسوية برعاية دولية، ولا استعداد لإقامة أي حوار شامل بين القوى السياسية اللبنانية. هذا يعني ترك لبنان لمصيره في مواجهة الانهيار المستمر، والتآكل. وتجاوزت الهموم اللبنانية من يكون رئيسًا للجمهورية، إلى كيفية انتخاب هذا الرئيس، وما هي مقوماته وما هو برنامجه. ويظل السؤال الأساسي: أي جمهورية سيكونها لبنان؟!
الأزمة السياسية مستمرة طالما إدارة البلد مستمرة على شكلها الحالي. لذا ليس من رهان لدى غالبية القوى الداخلية، سوى على استسلام اللبنانيين لليأس. وبعض القوى الخارجية تراهن على استسلام القوى السياسية في الداخل، خصوصًا أن الجميع يستشعر خطورة أي تغيير يحصل.

ويظل الخيار الأفضل تمديد الأزمة، أو الرهان على تحصيل بعض الأوكسيجين المالي: مساعدات، أو بتلك العمليات التي يقوم بها حاكم مصرف لبنان، أو بالرهان على استخراج الغاز والنفط. كلها رهانات موقتة، في ظل تركيز الناس على تحصيل الحدّ الأدنى من مقومات العيش.
وسط هذا الواقع لن يتمكن حزب الله من الاستمرار على ارتياحه. فقد يعاني ارتباكًا كبيرًا، بفعل ضغط الأزمة الكبير الحجم. لذا عليه الإجابة على سؤال استراتيجي: هل يوافق على السير في بناء دولة، أم يريد بقاء الوضع على حاله؟

لا شك في أن استمرار هذا الوضع يقود إلى انفجارات اجتماعية متتالية. أما الخيار الآخر، أي قيام الدولة، فيفرض عليه قرارات تخالف طبيعته، أو لن يكون قادرًا على اتخاذها، لأنها تقوض التركيبة التي أسسها طوال السنوات الفائتة، ومكّنته من تحقيق السطوة والقبض على السلطة. والأهم أن لعبة شراء الوقت لم تعد مجدية.