تشرين كان وما زال ذكرى حزينة. ليس ذكرى هروب الجنرال من القصر، بل سقوط المكان بيد جيش حافظ الأسد. 13 تشرين الأول كان يوماً بطبقات شؤم كثيرة آتية. الهزيمة التي ألحقها البعث بنصف اللبنانيين كانت انتصاراً للنصف الآخر منهم. ليس هكذا كان ينبغي أن تنتهي الحرب الأهلية اللبنانية، بجيش غريب يقتل جنوداً لبنانيين تخلى عنهم قائدهم.

القائد انسحب باكراً من المعركة الأخيرة، أقنع ناسه بأنه يقاوم العالم وحده. كان يقف يومياً على شرفة القصر ببزته العسكرية ونجومه ويصرخ في شعب لبنان العظيم، ثم يلتفت إلى جنرالين يلتصقان به، فيجدهما مبتسمين له، يهزّان برأسيهما علامة الذهول بأفكاره. وكأي جنرال حين لا يعود يسمع إلا صوته، ظّل طوال عامين لا يخوض إلا معارك خاسرة، يرمي قذائف مدافعه على المسيحيين كما على المسلمين، لا عرف كيف يدير حرباً ولا سياسة.

بقي حتى آخر ليلة في القصر، يحكي. القبطان الذي سيكون آخر من يغادر السفينة. بقي على عناده حتى تحوّل إلى مشكلة محلية وإقليمية ودولية. قامر بمن وما لا يملك، حتى سلّم البلد برمته، مع القصر، لبعث الأسد.

ليس ميشال عون المسؤول الوحيد عما فعله البعث بلبنان، لكنه الحجة الاخيرة، العثرة التي ما أن تزاح حتى تشرق الشمس. هل كان بامكانه أن يفعل غير ما فعل؟ كان جنّب البلد تلك النهاية، أن يهلل شعب لطيران جيش البعث يقصف قصر رئاسته ولجنوده يرفعون شارات النصر فوق بقاياه.

ربما كان يخدع الأسد، يعد خطة محكمة للانقضاض عليه بعد رحيله وتولي ابنه للخلافة. خطة للانتقام بعد 15 سنة من الانتظار في فرنسا، حيث سيؤدي اغتيال الحريري إلى انسحاب البعث من لبنان. ثم ينتظر واحدة من لحظات سعد الحريري الخرقاء ليعود إلى القصر. وكما لو أن المشهد نفسه يستعاد بحذافيره، وقد استبدل الجنرالين المبتسمين بالصهر المناضل الذي تفوق على عمه في صناعة الأعداء وتوهّم المؤامرات.

وكما مرت السنتان كابوساً طويلاً، ها هي السنوات الست مرّت كابوساً والشعب لن يتنهد بعد مغادرته القصر. البلد الذي يعيده له في 31 تشرين الأول أسوأ بألف مرة من البلد الذي استلم رئاسته قبل ست سنوات. في مروره الثاني المديد، أكد للبنانيين ما حفظوه عنه، وهو أن الجنرال لا يتعلم من أخطائه، وأنه غير محظوظ فينا، ولا نحن محظوظون فيه.

13 تشرين ذكرى حزينة لكننا آخر مرة نستعيدها وهو في القصر. في آخر الشهر نضيف إليها ذكرى أشد بؤساً منها، ذكرى تحقيق حلمه بدخول قصر بعبدا رئيساً، ثم تحقيق حلمنا بمغادرته القصر بعد السنوات الست.

جهاد بزي