قد يبدو الحديث عن قضايا بيئية في ظل الانهيار الأخطر بتاريخ لبنان، موضوعاً ثانوياً بالنسبة إلى الكثيرين. لكن حين تصل المخالفات البيئية إلى مستوى الجريمة بحق المواطنين، تهدّد صحتهم وحياتهم، يصبح الحديث أكثر أهمية من كل ما عداها من أزمات.

كشفت دراسة عن جريمة تلوث بيئي في بلدتي فيع وكفرحزير شمال لبنان، بفعل المقالع والكسارات وشركات الإسمنت في المنطقة. لم تلق الدراسة أي اكتراث من المعنيين. لم يلتفت أحد إلى الاثر البيئي المميت الذي تتركه تلك المقالع والكسارات.

كشفت الدراسة الجديدة التي قامت بها جامعة البلمند وقسم البحوث العلمية في منظمة غرينبيس الدولية، بطلب من جمعية “وصية الأرض”، تجاوز مستويات تلوث الهواء في بلدتي فيع وكفرحزير مبادئ منظمة الصحة العالمية، ما يزيد خطر الإصابة بالأمراض السرطانية والتنفسية.

تصف منظمة غرينبيس ما تشهده بلدتي فيع وكفرحزير بأنه شكل من أشكال اللاعدالة الإنسانية، من شركات عالمية ضخمة إلى فساد محلي متشعب.

تفضح الأرقام حجم تداعيات الجريمة البيئية التي ترتكبها شركات الإسمنت في منطقة الكورة، فمن بين 15 عائلة هناك 11 عائلة لديهم حالة سرطانية بين أفرادها. منطقة الكورة في الشمال فيها أعلى نسبة مرضى سرطان في لبنان بظل كلفة استشفائية عالية جداً.

وإذ توضح المديرة التنفيذية في غرينبيس غوى النكت، أن الدراسة اثبتت علمياً ان نسبة التلوث عالية جداً في منطقة فيع وكفرحزير ونسب التلوث فيها تتجاوز كل ما هو مسموح بحسب منظمة الصحة العالمية والقانون اللبناني. تكشف عن العمل على دراسات معمقة أكثر لتأكيد الصلة بين التلوث وشركات الإسمنت في المنطقة. ونظراً لكون طبيعة المنطقة زراعية فليس هناك من مسببات للتلوث، حيث لا يوجد شركات أو معامل وزحمة سير وغيره. لذلك من المرجّح جداً أن يكون التلوث سببه شركات الإسمنت.
تتهم جمعية “وصية الأرض” وزارة البيئة، الحاضرة في ملفات المقالع وشركات الإسمنت، بالتقصير، “فهي من يخالف الدستور والقوانين والمراسيم والقرارات والأحكام القضائية والتي تقوم بمخالفة قرارات شورى الدولة في ما يتعلق بعدم إعطاء الصلاحية للعمل على هذه المقالع والكسارات”.. يكشف مصدر متابع للملف أن وزارة البيئة عاجزة عن الوقوف بوجه شركات الإسمنت، ولا تقوى على فرض تطبيق القانون عليها.

من هنا تتوجه جمعية “وصية الأرض” إلى البلدان التي يحمل جنسيتها بعض أصحاب شركات الإسمنت، في سبيل إقامة دعوى في الأمم المتحدة ضد وزراء في الدولة اللبنانية “لأن أعمالهم ساهمت في قتل مواطنين أبرياء وفقدان الاستدامة في تطوير المنطقة، وخسارة أراضيها بأسعار زهيدة بسبب التلوث والمقالع”.