غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا. رمزيّة الانتقال قبل انتهاء الولاية، بعد توقيع مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، وإتهامات طالت المجلس الأعلى للقضاء وحاكم مصرف لبنان ورئيسَي مجلس النواب والحكومة، هي أكثر من رسالة أراد من خلالها عون الإيحاء أنّ الرئاسة لا تكون إلا حيث يكون.

بين عون واتّفاق الطائف عداوة لا تستكين وثأريّة لا تهدأ. لم يتوقف عون يوماً عن ابتكار أساليب شتّى لاختراق الدستور وتكريس أعراف في ممارسة التسلط على المؤسسات، فاعتمد عون مساريْن متوازيين للنيل من إتّفاق الطائف:

الأول، تعطيل إنتاج السلطة بوضع العراقيل لتشكيل الحكومات وتهميش الدعوة للإستشارات النيابية، مروراً بوضع الشروط على من تسميه الأكثرية النيابية قبل التكليف. مارس خلافاً للدستور أوتوقراطية مستبدّة وصلت به إلى اعتبار توقيعه على مراسيم التكليف مصدر الشرعية الدستورية لخيار الأكثرية النيابية.

الثاني، إفشال متعمد لعمل الحكومات والتدخل في جدول أعمالها، وإعاقة آليات اتّخاذ القرارات والإلتفاف على تنفيذها، مما جعل رئيس الحكومة الحلقة الأضعف في دائرة إتّخاذ القرار وألقى عليه أعباء البحث الدائم عن توافقات حكومية ضمن فريق عمله الحكومي للحفاظ على استدامة العمل.

إختار عون التصويب الدائم على موقع رئاسة الحكومة كممر إلزامي لإثبات فشل الطائف كنظام سياسي. ست سنوات لم تكن كافية للنيْل من اتّفاق الطائف، تنكّر خلالها عون لقرارات مؤتمر سيدر الذي طالب بإصلاحات هيكلية في الإدارة ولا سيما قطاع الكهرباء، وتشكيل الهيئات الناظمة والنأي عن الصراعات الإقليمية. كذلك تنكّر عون لتعهداته بمناقشة وإقرار الاستراتيجية الدفاعية بعد انتخابات 2018 النيابية. اصر عون وحزب الله على تشكيل حكومات وحدة وطنية أدت الى تحويل الإدارات الى مرتع للمحاصصة والفساد المالي والسياسي الذي ما لبث أن توسّع ليشمل الأجهزة الرقابية والقضاء .

أما المواجهة مع الحاضنة العربية للطائف فكانت عبر عمل دؤوب وهادف تمثّل بتماهي عون مع خطاب صدامي اعتمده حزب الله مع الدول العربية خلافاً لتوجّهات الحكومات اللبنانية وإرادة اللبنانيين، وعبر إرتكابات شرّعت الحدود لأنشطة غير مشروعة وجعلت لبنان مصدر تهديد حقيقي لمصر والأردن ودول الخليج العربي وأدخلته في عزلة قاتلة عن عمقه العربي.

مضى الرئيس السابق الى مقرّه الجديد مهدداً متوعداً باستكمال قتال طواحين الهواء، بعد أن أدى قسطه في تعطيل الحياة الوطنية بكلّ جوانبها.

لن يألو جهداً للمضي في صراعه وقد توفّر الشعبوية التي ستحيط بالمقر الجديد المزيد من الأفكار للذهاب الى مغامرة جديدة وغير محسوبة وربما أبعد مما أتاحه القصر الجمهوري.

العميد الركن خالد حماده