التاريخ يعيد نفسه، لكنه هذه المرة لا يثير السخرية، ولا حتى القلق.

الفراغ الرئاسي، الثاني من نوعه في أقل من عشر سنوات، يمكن أن يصبح تقليداً أو عرفاً شائعاً في الجمهورية، وقد يتحول الى محطة انتقالية إلزامية بين أي رئيسين مارونيين.

 

لا شيء في أحكام “الديمقراطية” اللبنانية ومعاييرها، يؤكد أن الحكم إستمرار والانتخابات تناوب على السلطة. مختلف الانتخابات الرئاسية أشبه بعمليات انقلابية مقنعة، حتى قبل ان تصبح المؤسسة العسكرية منبت الرؤساء، ومركز إنتاجهم الوحيد، وقبل أن تضطرب الحياة السياسية المدنية وتنهار.

كل يوم يمر بلا رئيس فرصة لالتقاط الانفاس والتفكير الهادىء في مراجعة التجربة الآفلة، وفي التخطيط للمرحلة الآتية، من دون أي احساس بأن الاوضاع السياسية تتردى، ومن دون أي تقدير بأن الاحوال الاقتصادية ستتدهور أكثر. العكس تماما هو السائد حالياً، لدى الراي العام الذي يشعر أنه يمكن أن يتعايش وأن يتكيف ويستمتع بالفراغ الراهن، ولو استمر لأكثر من سنتين، خاصة وأن خصوم العهد يبذلون جهوداً استثنائية لتحسين ظروف المعيشة في البلد لكي يبرهنوا أنه وفريقه كانوا أصل الازمة.

لكن الأصل في النظام الذي لم يعمل بانتظام، وكان ولا يزال يسمح بالانقلابات المقنعة. الجمهورية المعطلة ضحية ذلك الصراع الابدي بين موارنتها، وبالذات بين أولئك الذين يخوضون حرب الالغاء منذ ثمانينات القرن الماضي، بالرموز والشخصيات نفسها، ولو اختلفت الأساليب!

الفراغ الرئاسي لم يعد مشكلة، ويمكن للبلد ان يستمر ويزدهر من دون رئيس، صارت الكنيسة المارونية بالذات تلجأ الى التذكير بانه “حاكم وليس حاجباً” للجمهورية، يفترض أن تعاد المشكلة الى جذورها، على الاقل منذ أن سارت الطائفة مكرهةً الى الطائف، وحتى اليوم، الذي تبين فيه ان الدستور الحالي “القاسي” على الموارنة، لم يدفعهم الى البحث عن آليات ورموز بديلة تخرجهم من الطريق المسدود. العالم كله تدخل لوقف تلك الحروب، حرصاً على ذاك الوجود المسيحي المميز في الشرق العربي، لكنه توصل منذ العام 2014 الى استنتاج أن لا أمل في الطائفة، ولا رجاء طبعا في الطوائف المسلمة.. وبالتالي لا خلاص للجمهورية، التي يبدو أنها تخضع في فترة الفراغ الحالي، لتحدي العثور على خيار سياسي جديد، لا على رمز جمهوري بديل، ينهي حقبة الانقلابات والفراغات الرئاسية المتتالية، ويضمن بقاء لبنان على قيد الحياة الطبيعية.

ساطع نور الدين