أظهرت الساعة الأخيرة ما خُفِيَ في الوجدان المسيحيّ، طيلة المرحلة الماضية التي فرضت ستاتيكو رئاسياً تقليدياً.

أعاد ملفّ انفجار مرفأ بيروت، وتوقيف ويليام نون، شيئاً من الإهتزاز المفقود في نبض الشارع، من جبيل إلى الصيفي، بالتوازي مع حراكٍ كنسيّ غير مألوف سطع في واجهته المطران أنطوان بو نجم، راعي أبرشية أنطلياس المارونية، معاكساً الأداء الماروني المعتاد.

المطران، الذي لم يبلغ عقد انتخابه السنة ونصف السنة، وضع أجندة عمل، روحيّة ووطنيّة، وشكّل فريق عمل شابّ، روحياً وإعلامياً وسياسياً… وهو الأداء الذي تجاوز النشاط المتعارف لمطران، وجعل أكثر من جهة، داخل الكنيسة وخارجها، تعوّل على الرجل الصاعد للعب أدوار مستقبليّة أكبر.

لم يتابع كلّ مَن قرأ البيان، الذي خطّه المطران عقب توقيف نون، قراءةً عاديّة. بيانٌ مُحبَك بمضمونه وعشرات التواقيع التي احتواها، من كهنة ورهبان وراهبات، بدا بمثابة إعلان انتفاضة كنسيّة شاملة، أو قلب طاولة، على أمرٍ واقع سياسي – أمني – قضائي كسر المحظور في ملف انفجار المرفأ، ما فتح الستار على جدار دعمٍ بطريركيّ سيطال ملفّات عدّة في الأيّام القادمة، ترجمها البطريرك بكلامٍ عالي السقف وصل إلى حدّ التحذير من “تفريغ المواقع المسيحية والمارونية في الدولة”.

لا يبوح بو نجم بكلّ ما يعرفه وبما يُريد الإقدام عليه. حراكُه إستثناء مقارنةً بمطارنة آخرين، وإدارته لأبرشيّة أنطلياس يُحتذى بها. يُدرك كيفيّة السير بين الألغام، ويُتقن فنّ اللحظة المناسبة للدور المناسب. مواقفه واضحة، حيال مسائل أساسيّة عدّة، في مطلعها هويّة الثورة التي تمثّله، السلاح الذي حجّم الشرعيّة ودهس الدستور، النظام السياسي اللامركزي، الحضور المسيحي المُهدّد في الدولة، تجديد الدم القيادي لدى المسيحيين، وفي عمق هذه المواقف تأييد عالٍ للمسار الإصلاحي الذي باشرت به الفاتيكان داخل الكنيسة، والذي شمل قرارات وأحكام جازمة في أكثر من قضيّة.

تعلم الفاتيكان أساس الأزمة المسيحيّة اللبنانية، وتعلم أيضاً ماهيّة الحلّ وكيفيّة تنفيذه. يحتاج الإحباط المسيحيّ إلى تيارٍ جديد يُعلن حالة جديدة. حالةٌ روحيّة – مدنيّة – إعلاميّة تعمل في ظلّ قيادةٍ “بيضاء الكف” موثوق بها، لا ملفّات فساد أخلاقي ومالي في ذمّتها، وقادرة على جمع القواعد الحزبيّة المسيحيّة كسراً للتباعد والإنقسام اللّذين تتسبّب بهما طموحات كرسيّ بعبدا.

هذه السطور ليست “مدحاً” بمطرانٍ “المستقبل الكبير أمامه”، إنّما لتسليط الإنتباه على نموذج حاضر بقوّة ستُظهر الأحداث القادمة، من ملف انفجار المرفأ “وجرّ”، الوجه الآخر، والمطلوب، لـ”الجيش الأسود”، الذي صمت طويلاً.

 

ريكاردو الشدياق