تراكَمَ الدين العام على الدولة حتّى قارَبَ الـ100 مليار دولار، في ظل سعر صرف ثابت عند مستوى 1500 ليرة. ومنذ 3 سنوات انخفض حجم الدين بفعل انهيار قيمة الليرة. وحسابياً، رَمَت الخزينة عن ظهرها ثقلاً كبيراً، إلى أن كَشَفَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ديناً جديداً بالدولار. فكيف ظهر الدين ومَن يتحمل مسؤوليته؟
تضمَّنَت الميزانية نصف الشهرية التي أصدرها مصرف لبنان أخيراً، ملاحظة حول وجود نحو 16.5 مليار دولار ديناً لصالح المصرف المركزي على الدولة، متراكمة منذ العام 2007. وظَهَرَ هذا الدين نتيجة تغيير سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة إلى 15000 ليرة. ومع استمرار الأزمة واحتمال رفع سعر الصرف الرسمي، ستزيد قيمة الدين بالدولار لأنه مرتبط بالليرة.

في التفاصيل، ومنذ العام 2004 زاد معدّل شراء الحكومة للدولارات من مصرف لبنان بواسطة ليراتها الموجودة في حسابها الجاري داخل المصرف. لكن في العام 2007 قرّر سلامة والحكومة تسجيل عمليات الشراء على أنها ديون بالدولار على الدولة. واستمرّ تأمين الدولارات لتمويل الإنفاق العام، وعلى رأسه تغطية أكلاف شراء الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
قدَّمَ المركزي الدولارات من دون عراقيل، استناداً إلى وجود غطاء نقدي في حساب الدولة لديه، تشرِّعه سلفات الخزينة. ولم يكن هناك فجوة بين قيمة السلفة بالدولار وقيمتها بالليرة طالما أن سعر صرف الدولار ثابت. ومع ارتفاع السعر إلى 15 ألف ليرة وانخفاض قيمة الليرة رسمياً، لم تعد موجودات الدولة في حسابها بالليرة تغطّي قيمة الديون المسجَّلة بالدولار، فظهرت الفجوة التي قدَّرها المركزي بنحو 16 مليار و500 مليون دولار.
هذه القيمة لم تكن تظهر في ميزانية المصرف المركزي لأنها مسجَّلة ضمن بند “الموجودات الأخرى”، أي أن المركزي كان يعترف بها كموجودات له، لكنه لم يكن يسجّلها بشكل مباشر في ميزانيّته. كما لم تكن تبيِّنها الدولة في موازناتها السنوية كديون عليها للمركزي.

وتسجيل العمليات ضمن “الموجودات الأخرى”، هو أمر يحصل حتى في المصارف التجارية التي يطلب بعض عملائها تسهيلات معيَّنة، فلا يتم تسجيلها كديون بشكل مباشر لأن قيمتها مغطاة في حساب الزبون. وفعلياً، لم تكن الدولة في حالة عجز تجاه المركزي، لأنها تملك قيمة الدين في حسابها، لكن بالليرة. ولأن قيمة الدولارات موجودة في حساب الدولة بالليرة، لم تكن تُسَجَّل في الموازنة العامة كديون.
لتحديد الجهة التي ستدفع الدين، يجب تحديد المسؤوليات عنه، وهل أتى بفعل عمليات طبيعية وقانونية أم لا؟