يُطالب «حزب الله» برئيس لا يطعنه في الظهر، وكانت باريس على علم بهذا المطلب، وجاء دور قطر لتتصرّف ضمن هذا الهامش لإيجاد قواسم مشتركة. ويعرف «الحزب» أن لا إمكانية لإنتخاب رئيس ينزع سلاحه، لأنّ ذلك يتطلّب قوة عسكرية كبيرة ليست موجودة في تصرف أي رئيس جمهورية، وبالتالي يرتبط السلاح بالتوازنات الإقليمية.

دخلت البلاد زمن المبادرة القطرية، واستفادت الدوحة من دعم اللجنة الخماسية وتأييد الخيار الثالث رئاسياً. وأتت الإستفادة القطرية أيضاً من إنتهاء المبادرة الفرنسية بينما تفتح طهران خطوط تواصل مع السعودية، وبرز لقاء وزير خارجيتها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. أما داخلياً، ففي مقدور قطر التحرّك أسرع بعدما أصبح الداخل مقفلاً سياسياً ولا إمكانية لانتخاب مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، في حين يُشكّل العامل الإقتصادي- المالي عنصر ضغط إضافياً قد يكون دافعاً لإجراء الإستحقاق الرئاسي.

ويحاول «حزب الله» تحسين شروطه قبل الولوج في مرحلة التخلّي عن فرنجية، وتسجّل المعارضة تقدّماً بعدما أصبحت حظوظ رئيس «المردة» شبه معدومة وفق المعطيات الداخلية والإقليمية رغم تمسكّ «الثنائي الشيعي» به، وانتقل نشاطها سواء في الداخل أو مع الموفدين إلى منع «حزب الله» من استنساخ رئيس يُغطّي «دويلته» ومشروعه. وكما كان موقف القوى والأحزاب الرئيسية في المعارضة أمام الفرنسيين واضحاً، أعادت تكراره أمام الموفد القطري. واعتبرت المعارضة أنّ ظهر «حزب الله» هو عملياً كل المنظومة التي سهّلت وتستّرت واستفادت من الفساد في حين كان «الحزب» يمارس أعماله العسكرية وغير العسكرية ويستبيح الدولة ويسيطر على قرارها الإستراتيجي.

وحسب المعارضة، الرئيس الذي يحمي ظهر «حزب الله» هو الذي:

– يجعل القوى الأمنية والعسكرية تصرف النظر عن نقل السلاح عبر الحدود وداخل الأراضي اللبنانية.

– يترك الجمارك متفلّتة لتسمح بتهريب البضائع لمصلحة «حزب الله» وأصدقائه ومموّليه.

– يضرب القطاع المصرفي ليجعل الاقتصاد اقتصاداً نقدياً غير مراقب يكثر فيه نقل الأموال بطريقة غير مشروعة ويشرّع التبييض.

– يترك القطاع العام بلا إصلاح ليتسنّى لأكثر من 3000 موظف في قطاع التعليم الرسمي وأكثر من ٣٠ ألف موظف إداري يستفيدون من الدولة بلا حسيب ولا رقيب.

– يُتيح لحلفاء «الحزب» نهب المؤسسات العامة وخاصة الخدماتية للاستمرار في دعمه والتغطية عليه ما كلّف المواطنين أكثر من 48 مليار دولار في العقد الماضي، ذهب نصفها هدراً على فيول الكهرباء.

– حماية تجار الفيول والمهربين الذين يدورون في فلك «الحزب» وحلفائه.

– يغضّ النظر عن تجارة «الكبتاغون» ويُبقي الحدود مفتوحة على مصراعيها.

– يُكبّل القضاء والتحقيقات في كل قضية مرتبطة مباشرة أو مداورة بـ»حزب الله» من تفجير المرفأ إلى اغتيال القيادي في «القوات اللبنانية» الياس الحصروني مروراً بلقمان سليم وحادثة الكحالة وعين الرمانة والطيونة.

يطمح «حزب الله» إلى تكرار عهد الرئيس السابق ميشال عون باستمرار التدهور والانهيار ودفع لبنان أثماناً كبيرة جرّاء هذه الحماية. ويستمر «حزب الله» بمسكه حدود إسرائيل الشمالية، وضمان مواردها النفطية التي تستفيد من استخراجها على الحدود اللبنانية البحرية والتي أثبتت كل المعايير أنها ليست لمصلحة لبنان. كما يضمن عدم التعرّض لإسرائيل إلا ببعض الاستعراضات والخيم من وقت الى آخر. وهذا الوضع ما زال قائماً منذ عام 2006.

أما استراتيجياً، فتعتبر المعارضة أنّ رئيساً وفق مواصفات «الحزب» يضمن لايران ممراً الى البحر الأبيض المتوسط يكمل المعبر الممتد عبر العراق وسوريا والذي يمنع عبور أي خطوط تجارية أو نفطية إلا بقرار من إيران، ما يجعل الشرق والغرب يستعيضان عنه بخطوط تجارية عبر الخليج وصولاً إلى حيفا، بدل بيروت. ولو سلّمنا جدلاً بأنّه قوة توازن مع إسرائيل لمنعها من إلحاق الضرر بلبنان، فالضرر الذي ألحقه هو حتى اليوم يوازي أضعاف أضرار الحرب. وإذا كان وجوده لمنع إسرائيل من احتلال لبنان، فتسأل المعارضة لماذا لا يمنعها من ضرب سوريا مثلاً، والطائرات الإسرائيلية تقصف مواقع فيها أسبوعياً؟

إذاً، قالت المعارضة للموفد القطري كلمتها، وهي: ممنوع إستنساخ تجربة ميشال عون. فيما أعطت موافقة ضمنية على أحد المرشحين البارزين المطروحين وفق شروطها، وهي تمسّك هذا المرشح ببناء الدولة، وهذا الأمر يعني إبقاء التعادل السلبي مسيطراً. وتُبدي قوى المعارضة صلابة في المواجهة والقطري على علم بهذا الأمر، وقد تُرجمت برفض وصول فرنجية وتستكمل بمنع وصول من يشبهه. وإذا سعى لبنان إلى انتخاب رئيس يحمي السيادة اللبنانية، ويعزّز قدرات الدفاع في لبنان، ويساهم في اقتصاد مستقر يشجّع دول المنطقة والعالم على الانخراط فيه، وبالتالي الدفاع عنه والحفاظ عليه، يمكن حينئذ حماية ظهر لبنان وليس حزباً واحداً متسلّطاً ومتسلطناً فيه.