إذا مرّ موسم الصيف السياحي على خير، وكان جيّداً ومزدهراً وساهم في ضخ مليارات الدولارات التي تتلهف لها السوق اللبنانية، والتي ساهمت في الحفاظ على استقرار سعر الصرف ومنعت انهيار الليرة أكثر، فان تلك الدولارات التي كان يُعوّل ان يدوم مفعولها لغاية الموسم السياحي المقبل في كانون الاول لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، لن تُرفَد بمزيد من أموال المغتربين الذين بدأ معظمهم الغاء حجوزاته إلى لبنان.
وإذا كان المخطط الأسهل للحفاظ على استقرار سعر الصرف هو انتظار موسم التزلج والاعياد المقبل لتدفق المزيد من الدولارات الى لبنان، فان هذا المخطط بات مهدداً بنسبة كبيرة مع تصاعد مخاطر اندلاع الحرب وانخراط لبنان في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. مما قد ينتج عنه أوّلاً إغلاق مطار بيروت او أقلّه تعليق رحلات شركات الطيران اليه، وهو ما بدأ يظهر جليّاً منذ الآن مثل تعليق شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا رحلاتها إلى بيروت حتى 16 تشرين الثاني، «بسبب الوضع الحالي في الشرق الأوسط»، وفق ما أفاد متحدث باسمها لوكالة فرانس برس، وشركات أخرى فعلت الشيء عينه.
كما ان شركة «طيران الشرق الأوسط» رغم نفيها البدء بإجلاء بعض طائراتها من مطار بيروت، صرّحت ان الاجراءات الاحترازية في فترات الحرب تشمل إجلاء الطائرات الى مطاري قبرص او اسطنبول، وهو الامر الذي لم يحصل بعد.
اما على صعيد الحجوزات والوافدين الى لبنان، فقد قامت نسبة كبيرة منهم بالفعل بالغاء حجوزاتها هذا الاسبوع. وفضلت عدم المخاطرة بالمجيء الى لبنان في ظلّ حالة عدم اليقين، في حين «هرول» المغتربون والاجانب المتواجدون في لبنان حالياً الى تعديل مواعيد حجوزاتهم لمغادرة البلاد قبل حصول أي طارئ قد يؤثر على حركة الطيران، ويضطرهم لان يصبحوا محتجزين في البلاد.
السائح او المغترب الذي لم يأبه للغلاء الفاحش في أسعار السياحة في لبنان هذا الصيف، سيأبه من دون شكّ للمخاطر الامنية هذا الشتاء! وإذا كان عدد المسافرين عبر مطار بيروت قد ارتفع 20 في المئة على صعيد سنوي في الاشهر التسعة الاولى من العام الحالي مقارنة مع 2022، فان الشهر الاخير من العام والذي يزيد فيه عادة عدد الوافدين، لن يلبّي التوقعات هذه المرّة!
في هذا الاطار، اكد نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود لـ»نداء الوطن» وجود إلغاءات في حجوزات السفر هذه الفترة نتيجة الاحداث الامنية الدائرة في جنوب لبنان، لافتاً الى انه خلال الايام الاولى لاندلاع الحرب بين اسرائيل وغزة، تراجع عدد الوافدين الى لبنان بنسبة 26 في المئة، وقد انخفض عدد الوافدين بين 10 و15 تشرين الاول الماضي الى 6 آلاف و700 راكب يومياً مقارنة مع 8 آلاف و800 راكب يومياً في الفترة نفسها من 2022.
كما اشار الى ان حركة المغادرة تأثرت أيضا حيث تراجعت من حوالى 13 ألف راكب يوميا في الفترة المذكورة من العام 2022 الى 10 آلاف و500 راكب يوميا في 2023. بالاضافة الى ذلك، اوضح عبود ان الحجوزات ضمن الحزم السياحية (packages) التي كانت ممتدة لغاية الاول من العام المقبل، والتي كانت تشمل وفوداً وسياحاً من ايطاليا واسبانيا وغيرهما من الدول، تشهد حاليا الغاءات في الحجوزات بنسبة بلغت لغاية الآن 50 في المئة.
وذكر ان الحجوزات المسبقة للمغادرة من لبنان تشهد تعديلات في التوقيت حيث يسعى أصحابها الى المغادرة في اقرب وقت متاح، في حين ان أصحاب حجوزات السفر للفترة المقبلة بداعي السياحة او العمل مترددون في الغائها او الابقاء عليها، مؤكداً ان الخوف والترددّ سيّدا الموقف حالياً.
وشدد عبود على ان حالة عدم الاستقرار الامني أثرت بشكل سلبي على مجمل القطاع السياحي، وبدا الاثر السلبي خجولا في الايام الاولى ليتفاقم أكثر واكثر مع تطور الاحداث الامنية إن على الصعيد الزمني او الجغرافي. وقد يصبح كارثياً في حال تفاقمها.
اما بالنسبة لموسم الاعياد المقبل، فاعتبر عبود ان الوقت لا يزال مبكراً وان الحجوزات ترتفع وتصل الى ذروتها عادة، قبل أسبوع او اسبوعين من حلول الاعياد، «إلا ان نسبة الملاءة في حجوزات الطائرات القادمة الى لبنان في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة تبلغ حاليا بين 80 و85 في المئة، وهي ترتفع بالعادة الى 100 في المئة قبل 10 او 20 يوماً من العيد»، مشككاً في تحقيق تلك النسبة في حال بقي الوضع الامني متوتراً، لان السفر لا يتماشى مع حالة الخوف والتردّد.
واشار الى انه خلال فترة الاعياد في العام الماضي، بلغ عدد الوافدين الى لبنان حوالى 13 الف راكب يومياً، وكانت الحركة الاقتصادية والتجارية نشطة. وقد ساهم القطاع السياحي في تحريك عجلة الاقتصاد بحيث ضخ حوالى المليار دولار في السوق، متوقعاً عدم تحقيق الارقام نفسها هذا العام في حال لم يشهد الوضع الاقليمي حلحلة للصراع الدائر.