طمأننا علي حجازي أنّ حزب البعث في لبنان عاد الى ميادين الوغى القومي، وأنّ العشرات يطرقون أبوابه طلبا للالتحاق بوحداته المقاتلة ضدّ “العدوّ الصهيوني”. ولا بدّ أنّ مقاتلي النخبة في لواء جولاني الاسرائيلي ارتعدت فرائصهم عند سماع الخبر، لما عند الرفيق علي من خبرة عسكريّة حصّلها زمن عكفه على مراكمة العلوم العسكريّة في كليّة فرونزي المعروفة. ثمّ أنّ عودة نشامى البعث الى العمل العسكري لا بدّ أن تثير في اسرائيل ذكريات الصفعات القاسية التي تلقّتها منه، لاسيّما عندما كان “القائد الخالد” وزير دفاع سوريا عام 1967. ومن سمع الرفيق علي يتحدّث عن “مئات الآلاف” التي تتحرّق لعبور الحدود صوب فلسطين السليبة، لا بدّ أنه استذكر البطل القومي الآخر، أحمد الشقيري، الذي وعد حرفيّا ب”رمي اليهود بالبحر”، قبل أسابيع قليلة من رمي الاسرائيليّين رجال عبد الحكيم عامر خارج سيناء، بحرب الأيّام الستّة.

والحال أنّ الدكاكين “المقاومة” على غرار البعث تتانسل بنشاط ملحوظ، بالفترة الأخيرة. القوميّون كانوا السبّاقين باعلان عودتهم الى النشاط العسكري. صحيح أنّ حزبهم لم ينجح بعد مئة عام من السعي الدؤوب لتوحيد سوريا الطبيعيّة بتوحيد أجنحته المتصارعة على الأقلّ، ولكنّ المقاومة لا تحلو وتطيب دون عزف كلامي كثيف عن الحياة ك”وقفة عزّ”، وعن “السلالات المنحطّة” التي خلّفها العرب وراءهم لأنّهم قبلوا الاختلاط بأقوام الزنوج في “أفريكيا”. ثمّ أعلن رجال الأخ شاكر البرجاوي بدورهم تحريك ذراعهم العسكريّة، فقوّات الفجر التابعة للجماعة الاسلاميّة. هناك أيضا منشور على وسائل التواصل ل”السرايا اللبنانيّة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي” تعلن فيه عن “فتح باب الاستقطاب الى تشكيلاتها” مع معلومات محدّدة عن كيفيّة التواصل معها.

ومن يوم أطلق مخرّبون يسارويّون بالستّينات تجربتي “الحرس الشعبي” و”قوّات الأنصار” بجنوب لبنان، الى يومنا الحالي، تتحرّك الدكاكين “المقاومة” وفق ديناميكيّة مزدوجة قوامها الآتي: 1) تنشأ الدكاكين زمن بلوغ ضعف الدولة اللبنانيّة ذروته، وتساهم بتعميق هذا الضعف. 2) تتسلّح الدكاكين باسم محاربة اسرائيل، قبل أن تتحوّل الى فصائل بحروب أهليّة طاحنة. لم يشرح أحد هذه المعادلة كما أطنب حازم صاغية بشرحها بكتاب “هجاء السلاح: المقاومات كحروب أهليّة مقنّعة”. والحال أنّ كتب صاغية واجبة القراءة دوما؛ ولكنّ العودة لهذا الكتاب بالذات فرضت نفسها علينا منذ مدّة، لسوء الحظّ.

كانت الأمور لتكون مختلفة طبعا لو أنّ القوى الأمنيّة اللبنانيّة تحسم أمرها أقلّه ضدّ الدكاكين الصغيرة، ان كانت مواجهة أخيها الأكبر متعذّرة حاليّا. ولكن يبدو أن توقّع حتّى هذا كثير. بهذا يمكن اختصار تاريخ القوى الأمنيّة اللبنانيّة بالعقود الأخيرة كما يلي: قصمت هذه القوى ظهر الميليشيا التي حاربت دفاعا عن لبنان، بحرب الالغاء؛ قبل أن تستسلم لاحقا لمسلّحين هم عتاة أعدائه.

وعموما، بحسب جريدة “الأخبار” نفسها، تعارض غالبيّة ملحوظة من المسيحيّين، والسنّة، والدروز فتح الجبهة الجنوبيّة والانخراط بالمعركة مع اسرائيل. المسيحيّون يعارضون حتّى خيارا مخفّفا قوامه “اشغال العدوّ بالعمليات على الحدود”. وبحسب المنطق الطبيعي للأمور، ما يبدأ أساسا بتناسل الدكاكين المقاومة لمواجهة “العدوّ الصهيوني” بالخارج، ينتقل لاحقا لذبح “الانعزاليّين” بالداخل. سؤال المرحلة واضح: من يحمي مناطق هؤلاء؟

الكاتب: هشام بو نصيف