ما من شك أن الموفد الرئاسي الفرنسي، وزير الخارجية الفرنسية الأسبق جان إيف لودريان، يستحق نيل أرفع وسام فرنسي يمكن أن يمنح لرجل يخدم بلاده، بسبب طولة باله وشجاعته وتحمله موبقات وتخبيصات سياسة المسؤولين عنه.
فالرجل، لم يتردد في العودة إلى لبنان، موفداً من رئيسه للقيام بجولة رابعة، بالرغم من معرفته، أن مهمته باتت بالغة الصعوبة والتعقيد، بل والاستحالة في بلاد الأرز. والسبب في هذه النتيجة، هو صعوبة أوضاع لبنان، والتلاعب والتبدل المستمر في الموقف ومعطياته من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتردد والمتنقل من موقع إلى اخر في آخر سنتين.
قبل نحو سنة، كان التوجه الفرنسي أولاً يميل إلى تبنٍ كامل لمرشح حزب الله وإيران وسوريا، سليمان فرنجية، في مواجهة كل الآخرين، ليعود ويتراجع عنه وليستقر الآن على تشجيع التراجع عنه والبحث عن مرشح ثالث.
في هذا الوقت، لم يقصّر الرئيس الفرنسي، صاحب المبادرة في تعطيل وتعقيد مهمة موفده إلى لبنان، باتخاذ مواقف متناقضة ومتواجهة ومستغربة من القضايا المطروحة.
كان في البداية، يميل إلى مسايرة إيران وسياستها، بغية فتح الطريق أمام شركاته للحصول على أعمال وعقود تنقيب عن النفط في لبنان، وفي دول المنطقة لشركة توتال، وبيع السيارات والمعدات والأسلحة. ثم عاد وبسبب مشاركة إيران في الحرب الأوكرانية إلى جانب روسيا، وتراجع إلى الخلف وراح يناهض إيران، التي أغضبت الولايات المتحدة الأميركية وأغلب دول الغرب الأوروبي، بإرسال طائراتها المسيّرة لمساعدة بوتين في التصدي للجيش الأوكراني، الذي لحقت به خسائر فادحة من الطائرات الإيرانية.
وبعد فشل أو تفشيل توتال انيرجين الفرنسية في اكتشاف أي نقطة نفط في البلوكين 4 ومن ثم 9 في لبنان، مع ما يرافق هذه العملية من همهمات ومن تسريبات وشكوك وضبابية وانعدام الشفافية، عاد الرئيس الفرنسي ليرسل موفده المخلص إلى لبنان، بعد أن عرج على العربية السعودية ومسؤول الملف اللبناني فيها نزار العلولا في الرياض، للوقوف على آخر المواقف والتطورات.
أجمعت المعلومات المتسربة من الاجتماعات أن الموفد الفرنسي يحمل ملفين: الأول، إعادة تنشيط وتحريك ملف الرئاسة والشغور الرئاسي وإثبات وجود فرنسا على الساحة العربية واللبنانية، وإبقاء الدور والكرسي الفرنسي محجوزاً، عبر طرحه البحث عن مرشح ثالث غير سليمان فرنجية وجهاد أزعور. وهو كان أعلن ذلك في نهاية الجولة الثالثة الأخيرة. و الملف الثاني، هو التحذير من تمدد الحرب الإسرائيلية إلى لبنان، والعمل على منع هذا التمدد واستكشاف حظوظ قائد الجيش نحو الكرسي الرئاسي.
لهذه الأسباب كلها لن تكون مهمة لودريان سهلة أو ناجحة. فالأطراف المعنية الإقليمية والداخلية، باتت متوجسة وغير واثقة بالموقف الفرنسي، المتنقل بين مسايرة إيران ومن ثم الانقلاب عليها، ومن ثم التقرب من السعودية والعرب وبعدها الانحياز إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، في حرب تدمير غزة وإبادة أهلها، حيث يقتل الأطفال والنساء والعجّز.
لن يحصل لودريان على أجوبة تشفي غليله أو تطابق مصالح فرنسا في أي ملف.
وبما أن شركة توتال قد لا تعود إلى الحفر في لبنان قبل العام 2025، كما تردد، فمن المرجح أن ملامح الحلول والرئاسة الاولى، ستبقى معلقة إلى ما بعد انتهاء حرب غزة وتظهير نتائجها.
وكان الله في عون لبنان وشعبه.
المصدر: المدن